الشباب الجدد يعيشون في عالم مختلف تماماً عن كل ما يجري داخل أسوار الأندية، وربما لا يحتاجون لتزكية من أي ناد حتى يصلوا بإبداعهم إلى المتلقي، فلديهم قنوات متعددة وجميلة تواكب العصر، وقد تتجاوزه في أحيان كثيرة
يقول العارفون إن أغلب الذين يتسابقون حالياً على مجالس إدارات الأندية الأدبية لا علاقة لهم بالأدب إلا من باب: أحب الصالحين ولست منهم، ويقولون أيضاً إنه من الممكن أن تصبح الأندية في عهد هؤلاء أسـوأ مما هي عليه الآن، وإن محاولة إعادتها إلى أداء دورها التنويري في المجتمع ـ بهكذا عينات ـ هو أشبه بمحاولات إعادة الديناصور إلى الحياة، وهي وجهات نظر محترمة وربما وجيهة في نفس الوقت، لكنها تستبق الأحداث بشكل مبالغ فيه، وقد تصل لدرجة الوصاية الممقوتة على اختيارات الناس وتطلعاتهم نحو المستقبل.. لكن أكثر ما يعجبني ـ في كل ما يحدث حالياً ـ أن تلك الأسماء القديمة والمكرورة التي ملها المتابع ستبتعد عن الواجهة قليلاً، ولن تنافس نفسها كالعادة، وستأتي طاقات جديدة ومنظمة أتمنى لها كل التوفيق، على ألا يحجر القادمون الجدد واسعاً فيصبحوا بالفعل أسوأ ممن كان قبلهم! صحيح أن المجتمع تجاوز الأندية كفكرة ووظيفة منذ زمن بعيد، لكن الصحيح أيضاً أنها لا تزال مغرية جداً لأولئك الذين لم يدخلوها من قبل، ولم يجربوا صراعاتها الداخلية التي طغت في حالات كثيرة على عملها الأساس، وكانت سبباً رئيساً في اتجاه المهتمين إلى فضاءات أخرى متصالحة مع نفسها ومع الآخرين، أما التحدي الحقيقي والمفصلي لكل الفئات المتصارعة فهو أن الشباب الجدد يعيشون في عالم مختلف تماماً عن كل ما يجري داخل أسوار الأندية، وربما لا يحتاجون لتزكية من أي ناد حتى يصلوا بإبداعهم إلى المتلقي، فلديهم قنوات متعددة وجميلة تواكب العصر، وقد تتجاوزه في أحيان كثيرة، وهو عصر تشبع بشكل تام من الأمسيات القصصية والشعرية، ويرفض شبابه التقليدية بشكل واضح، فهل لدى القادمين الجدد ما يتجاوز الأمسيات المملة، أو طباعة أعمال أعضاء مجالس الإدارات على نفقة النادي كما كان يفعل السابقون؟ وهل سأل القادمون الجدد أنفسهم ما رأي شباب الفيسبوك والتويتر في ما يحدث؟ المؤسف أن بعض الناس لا يلقون بالاً للزمن حينما يتكلمون عن الأندية، بل يظنون أن ما كانت تقدمه في السابق يمكن مع بعض التحسينات الطفيفة أن يشكل عامل جذب حيويا للشباب، ومثل هذه القناعات الجامدة تجني على الأدب والثقافة بشكل عام، وخصوصاً حينما يصل مجموعة أشخاص إلى مجلس الإدارة من أجل أن يكملوا (البرستيج)، إذ إن آفة الأندية منذ زمن بعيد أن من يحرصون على ترشيح أنفسهم لا يريدون العمل بجدية، بقدر ما يريدون أن يقال عنهم إنهم أعضاء مجلس إدارة! والفرق كبير بين الأمرين، أو أن يكون جل همهم تحويل النادي إلى فرع دعوي وإرشادي، ولذلك أتمنى أن يقتنع اللاهثون خلف مجالس إدارات الأندية أنه لا مزية أو تفوقا في أن يقال إن فلانا عضو مجلس إدارة، بل أن يقال فعلاً إنه أديب حقيقي له رؤية ويستطيع أن يقدم شيئاً جديداً لناديه، فإذا كنت سترشح نفسك ـ أخي الأديب أو المهتم ـ في مؤسسة ميتة تقريباً فأنت تحتاج إلى جهد مضاعف كي تعيدها إلى الحياة والنور، ومن ثم تحاول اللحاق بالعصر الذي لن ينتظرك أصلاً، وربما لا يهتم بك من الأساس، والأهم أن تبتعد قدر الإمكان عن بعض الظرفاء ـ الذين تقطعت بهم السبل ـ ولم يشبعوا بعد من تكرار مقولة أن النادي الفلاني كان جيداً في عهد فلان من الناس، إذ الحقيقة أنه كان جيداً بالفعل لأن المجتمع كان يحتاج إليه، ولأنه كان القناة الوحيدة التي يتشوف إليها المبدع والأديب، ولكن لو عاد اليوم فلان (الكويس) فلن يقدم شيئاً يذكر! فالزحف الزمني تجاوز الأندية، وما لم تقدم جديداً فستبقى حكراً على (المترززين)، أو الذين يبحثون عن طباعة ديوان أو مجموعة قصصية بالشفعة، وطالما أن الأندية الأدبية فشلت مرات عديدة في إدخال شاشة سينما، تعرض من خلالها فيلماً يحكي بطولات عمر المختار أوصلاح الدين الأيوبي، فكيف لها إذن أن تُرضي ذائقة جيل منفتح على الآخر هذه الأيام؟ المفتاح هو مواكبة العصر، وتقديم شيء جديد ومقنع، لجيل لا يتجاوب أبداً مع ما هو خارج العصر إلا من باب السخرية، واللامبالاة في أحسن الأحوال، ومن يمتلك المفتاح فله كل الحق في ترشيح نفسه، حتى لو استعان بطلابه من حملة البكالوريوس!