تعد المداخل الترابية المنفذ الوحيد الذي يتسلل منه الحجاج غير النظاميين إلى العاصمة المقدسة بعد أن أحكمت الجهات الأمنية الرقابة على المداخل الرئيسية النظامية، وهي مدخل طريق مكة - جدة السريع، ومدخل مكة – جدة القديم، ومدخل طريق مكة المكرمة - الليث ومدخل الطائف - الكر ومدخل الطائف - السيل ومدخل مكة المكرمة - المدينة المنورة.
وقد أصبح بعض السائقين السعوديين الذين لديهم علم ودراية بالطرق الترابية يتولون تهريب الحجاج غير النظاميين إلى العاصمة المقدسة مقابل الحصول على بعض العوائد المالية.
ولذلك تبقى الطرق البرية غير الرسمية هي المشكلة التي قد يصعب السيطرة عليها، وخاصة أنه في كل عام تبتكر طرق جديدة، وكلما سدت ثغرة فتحت ثغرة أخرى، مما حدا بالبعض من هؤلاء المهربين إلى سلك طرق وعرة والقيام بحيل مختلفة للوصول بزبائنهم الهاربين من غلاء حملات الحج التي يشترط التسجيل فيها للحصول على تصاريح الحج إلى مكة.
وقد رصدت الوطن أسباب ظاهرة التهريب التي يقف وراءها وجود حجاج من المقيمين والمواطنين يرغبون في الحج وهم لا يستطيعون ذلك إما لغلاء حملات الحج أو حصولهم على تصاريح خلال الخمس سنوات الماضية، أو من مخالفي نظام العمل والإقامة، ووجود سماسرة ومهربين يستغلون رغبة هؤلاء في الحج، ويخاطرون بحياتهم من خلال نقلهم عبر الطرق الصحراوية والهروب من نقاط التنفيش والطرق الرسمية وما قد ينتج عن هذه العملية من مخاطر لا تحمد عقباها، إضافة إلى تعرضهم للمساءلة القانونية من خلال مخالفة الأنظمة والتعليمات التي تحظر نقل المخالفين وتهريبهم إلى مكة المكرمة.
يقول المواطن أحمد محمد الشريف من سكان مركز حلي جنوب القنفذة إن معضلة تهريب الحجاج على الرغم أنها تراجعت عن ذي قبل وهذا راجع لتطبيق الأنظمة والغرامات بحزم والتشديد على المداخل والمخارج، إلا أن هذه المشكلة مازالت موجودة، وهذا يعود لحرص أولئك المهربين على الكسب المادي السريع، فالوسيلة التي يستخدمونها هي السيارات (جيب صالون) والطرق التي يسلكونها طرق وعرة لا تصلها عيون المواطنين.
ويقول المواطن سني عبدالله إنهم يتخذون الطرق الوعرة لعلمهم بأن الطريق الساحلي وهو الطريق الموصل إلى مكة المكرمة مليء بنقاط التفتيش والتي تشرف عليها قوات أمن الطرق والشرطة إضافة إلى فرق المجاهدين، انطلاقاً من مركز حلي ونقطة تفتيش موسمية إضافة إلى نقطة تفتيش أمن الطريق جنوب القوز، ونقاط في كل من القنفذة والليث وحفار والوسقة والغالة والشعيبة والطفيل. مؤكداً في الوقت ذاته، أن المهربين يلجأون باستمرار إلى طرق بديلة غير معبدة صحراوية وجبلية يستخدمونها للتملص من رقابة رجال الأمن. وذكر المواطن بالقاسم الغبيشي أن عملية نقل الحجاج غير النظاميين انتشرت في فترات إلا أنها تقلصت بشكل كبير في ظل الاهتمام الذي تقوم به الدولة من خلال تطبيق الأنظمة والغرامات التي يتم فرضها على أولئك المخالفين. وأشار إلى أن السيارات التي يتم النقل فيها من السيارات القوية والكبيرة وتأخذ من ستة إلى عشرة ركاب، أي يتراوح المبلغ ما بين 10 آلاف إلى 12 ألف ريال، يحصل عليها المهرب إلا أنه في حالة القبض عليه فإنه يدفع على كل ألف ريال، عشرة آلاف ريال، إضافة إلى أنه قد يتعرض للسجن وسحب السيارة.
أدرى بشعابها
عملا بالمثل القائل أهل مكة أدرى بشعابها، يدرك المهربون جيدا الطرق التي تخدمهم، وغالبا ما يأتون من ناحية طريق الليث، وقبل نقطة التفتيش القريبة من مخطط السبهاني، ويسلكون الطرق الترابية التي تمتد من طريق مكة - جدة السريع إلى طريق مكة – الكر، وهذه المساحة أجزاء كثيرة منها عبارة عن أراض رملية منبسطة، من السهولة السير بها، وخاصة أن السيارات غالبا ما تكون من نوع جيب والتي تستطيع السير في وسط الرمال.
أما المدخل الآخر للعاصمة المقدسة فيأتي من طريق السيل بالرغم من أن الجهات الأمنية أوجدت نقطة تفتيش في السيل، وأخرى في الزيمة، إلا أن بعض السائقين يتجاوزون هذه النقطتين من الدخول إلى قرية شامية المطارفة، ومن ثم المضيق ثم وادي بني عمير والدخول إلى العاصمة المقدسة من خلال الجعرانة أو شرائع المجاهدين.
وتشير مصادر أمنية إلى أنه من خلال تجارب الأعوام الماضية يقوم بعض السائقين بإنزال الحجاج قبل نقاط التفتيش في منطقة الزيمة ويتركونهم يسيرون على أقدامهم لتجاوز نقاط التفتيش وبعد ذلك يعودون لأخذهم وإيصالهم إلى وسط العاصمة المقدسة.
وتعد نقطة السيل وفقا لمصادر مطلعة الأضعف إحكاما من بين مداخل مكة الأخرى نظرا لإحاطة الأودية بها والشعاب التي يسلكها المهربون، والتي لا تجدي معها ملاحقات فرق المجاهدين المعنية بمنع التهريب عبر الطرق الترابية وغير الرسمية.
وليس مدخلا العاصمة المقدسة من طريق جدة القديم وطريق المدينة المنورة بمختلفين عن المداخل الأخرى الترابية في ظل وجود مساحات شاسعة يمكن الدخول من خلالها إلى وسط العاصمة المقدسة، بالرغم من أن الجهات الحكومية تبذل جهودا كبيرة لإغلاق الطرق الترابية وتكثيف التواجد الأمني بها لمنع التسلل، حيث تتواجد فرق المجاهدين ودوريات أمنية من شرطة العاصمة المقدسة في كل الطرق الترابية لمنع التسلل منها، ولكن تظل هناك حالات تسلل في ظل حرص بعض المواطنين الحصول على المال دون مراعاة المصلحة الوطنية.
اعترافات مهرب
أحد المهربين سابقاً - تحتفظ الوطن باسمه - والذي قبض عليه وتم تغريمه مبالغ تصل إلى أكثر من 40 ألف ريال، وتمت مصادرة سيارته قبل أكثر من خمسة أعوام، يقول هناك سماسرة هم همزة الوصل بيننا وبين الراغبين في الحج, إذ يأخذون جزءاً من المبلغ والذي كان يتراوح ما بين 1500 ريال إلى 2000 ريال، ويصل في بعض المواسم إلى 3000 آلاف ريال، وكان أغلب الحجاج من مخالفي أنظمة الإقامة ممن دخلوا إلى المملكة بطرق غير شرعية، إذ يتم أخذهم من منازلهم عن طريق مندوب ومن ثم التوجه بهم إلى بعض تلك الطرق التي نستخدمها وهي من الطرق الوعرة كالمرور بسلسلة جبال عسير ومنطقة مكة المكرمة في القنفذة والليث وصولاً إلى مدخل مكة المكرمة من جهة طريق العوالي.
خاطروا فخسروا
يؤكد مقيمون نظاميون في محافظة القنفذة بأن أقارب لهم تعرضوا لعمليات نصب أثناء ذهابهم إلى الحج وذلك من خلال إيصالهم إلى نقاط معينة وتركهم يواجهون مصيرا آخر بالسير على الأقدام لمسافات تصل إلى خمسين كيلو مترا، إذ يقول (محمد ح) أحد العمال المصريين العاملين في بلدة السلامة بحلي جنوب محافظة القنفذة، بأن شقيقه جاء قبل أربع سنوات للعمرة وعمل في محافظة القنفذة ثم أراد الحج، وبطريقة قمنا بالاتصال بأحد أولئك الذين ينقلون الحجاج من مركز حلي إلى مداخل مدينة مكة، إلا أنه تعرض لعملية نصب بعد أن قام المهرب بإيصالهم إلى مدخل مدينة مكة وطلب منهم السير على الأقدام لمسافة كيلو واحد وبعدها سيتم نقلهم إلى داخل مكة إلا أنه نصب عليهم ولم يرجع لهم، فتم إلقاء القبض عليهم من قبل الجهات الأمنية التي قامت بترحيلهم.
التهريب الساحلي
وعن الطرق التي يستخدمها المهربون يشير معدي عسيري إلى أن قرى مليحة وبني ذيب مروراً بسبت الجارة ومروراً بشرق مدينة الليث ومن ثم الشعيبة وصولاً إلى مدخل العوالي تعتبر من أشهر الطرق التي يسلكها المهربون، إذ يدخل المهرب في حدود مدينة مكة وبعدها يتم إنزال الحجاج، مشيراً إلى أن هذه الطرق أغلبها وعرة وجبلية وتحتاج من المهرب أن يسير فيها في بعض الأحيان أياما بكاملها قبل أن يصل إلى مدينة مكة المكرمة.
وعن استخدام المهربين للخط الساحلي، أشار المواطن أحمد محمد إلى أن المهربين يقومون باستخدام الطريق الساحلي إذ هم على معرفة كاملة بالطريق الساحلي وبالنقاط الموجودة فيه فبمجرد الوصول إلى ما قبل النقطة يتم التوقف وإنزالهم والعودة إليهم من طريق آخر.

ذريعة الغلاء
وفي المقابل يرى عدد من أولئك الحجاج المقيمين الذين يستخدمون هذه الطرق أن دفع مبلغ ألف ريال مقابل الوصول إلى مكة المكرمة والافتراش أفضل لديهم كثيراً من دفع مبالغ مالية تصل كحد أدنى إلى 4000 ريال رسوم حملات الحج، حيث يشير الزين مقيم سوداني إلى أنهم بدخولهم مكة تنتهي معاناتهم ويستطيعون أداء مناسك الحج من وقوف بعرفة ومبيت بمزدلفة ومنى ورمي الجمرات والطواف بكل يسر وسهولة.
وفي نفس السياق أكد عدد من المواطنين أن أسعار الحملات مبالغ فيها للغاية وهناك الكثير من الحجاج من المقيمين والمواطنين لا يستطيعون بأي حال من الأحوال الحج عبر هذه الحملات، لذا يضطرون إلى البحث عن البدائل الأقل تكلفة.
وطالب أحمد الزهراني بضرورة الالتفات لأسعار حملات الحج وتحديد تسعيرة ثابتة ومناسبة للطرفين، حملة الحج والمواطن والمقيم، وذلك من أجل مساعدة غير القادرين على دفع الرسوم الباهظة الحالية، والحد من لجوئهم إلى الطرق البديلة التي تخالف الأنظمة والتعليمات، وتعرضهم ومن ينقلهم للمساءلة القانونية. وأكد الزهراني أنه طالما هناك أشخاص لا يستطيعون دفع رسوم الحملات فسيكون هناك مخالفون وباحثون عن طرق بديلة.
 

عشرات المركبات تعاد من حيث أتت في الشميسي

من خلال تواجد الوطن في نقطة الشميسي على الطريق السريع رصدت قيام عناصر النقطة بإعادة عشرات المركبات التي جاءت محملة بركاب لا يحملون تصاريح للحج، حيث لا يسمح لأي حاج مهما كانت جنسيته بتجاوز النقطة ما لم يكن حاملا لتصريح الحج.
وقال مساعد قائد مركز تفتيش مداخل منطقة مكة المكرمة المقدم خالد الحارثي تعليقا على ذلك كل من لا يحمل تصريحا تتم إعادته سوى المقيمين الذين تكون إقاماتهم صادرة من جوازات العاصمة المقدسة، مشيرا إلى أن هناك فئة مستثناة وهم من يحملون تصريحات ويتطلب عمله التواجد داخل مكة إما لأعمال خدمية أو إغاثة أو إعاشة أو مرافق خدمية.
وبين أن عملية التفتيش تتم بسلاسة على مدار الأربع والعشرين ساعة، وقال أهم شيء لدينا التواجد والتسهيل للإجراءات وليس التساهل، وتسهيل مرور المركبات بالشكل الذي لا يحدث ارتدادا للمركبات أو تأخيرا ولكن لا تساهل في الإجراءات إطلاقا.
وأثناء وجود الوطن في نقطة تفتيش مركز الشميسي مر قائد مركبة صغيرة، وعندما تفحص رجل الأمن ملامح وجهه طلب منه بصورة مفاجئة فتح مقصورة السيارة الخلفية (الشنطة)، وكانت المفاجأة أن بداخلها مقيما آسيويا مختبئا، في محاولة لتهريبه باءت بالفشل بسبب فراسة رجل الأمن الذي يكتشف حيل المهربين بخبرته.
وليست هذه الحالة الوحيدة التي تم ضبطها فهناك الأكثر غرابة، حيث أشار المقدم الحارثي إلى أن من أغرب الحالات قيام بعض المقيمين بالادعاء أنهم سعوديون، ولكن لا يحملون هوياتهم، وعند التأكد منهم ينكشف أمرهم.
وبين المقدم الحارثي أن موسم الحج من أكبر المواسم عالميا التي تشهد ازدحاما، وليس الزحام فيه غريبا فهو من مقاصد الحج، مشيرا إلى أن الوقت الذي تستغرقه المركبات في النقطة وقت نسبي يؤثر فيه تجهيز السائقين مسبقا لهوياتهم وهويات من يرافقونهم، وقال نحرص ألا تستغرق العملية وقتا ولكن لن نتساهل. وبين أن لوسائل الإعلام دورا في تثقيف المواطنين والمقيمين بدور الجوازات.

عناصر نسائية تكشف المتحايلين

خصصت المديرية العامة للجوازات مكاتب نسائية في جميع مراكز ونقاط الجوازات بمداخل مكة المكرمة حتى يتم التأكد من هوية النساء ومن يشتبه فيهن من لابسات العبايات سواء من المقيمات أو السعوديات. وتمت الاستفادة من المكاتب النسائية والقبض على العديد من الحالات من مقيمات لا يحملن إثبات هوية، وعاملات منازل هاربات من أرباب العمل، وأشخاص يتخفون في ملابس نسائية، وفي هذا العام لم يتم وحتى الآن ضبط حالات تخف، ولكن خلال الأعوام الماضية تم ضبط عشرات الحالات، والتي من بينها مثلاً اصطحاب البعض لزوجته معه، وعند تفتيشه يقدم كرت العائلة لرجل الأمن، بحجة أن جميع من في المركبة من عائلته، ولكن عند التأكد تنكشف حقيقة المرافقات اللواتي هن سيدات مخالفات لا تربطهن بالسائق صلة.