دخول هذا الفضاء الفسيح من التواصل والتعرف على رأي المجتمع في أي موضوع؛ يعتبر فرصة لا تعوض لكل باحث اجتماعي، أومخطط استراتيجي، أوخبير أمني.. كل ذلك بمجرد وقفة عابرة في تويتر
من منكم لم يسمع بـ تويتر twitter بعد؟
إنه الأحدث في برامج التواصل الاجتماعي، وقد بدأ في سحب البساط من تحت برنامج فيس بوك ذائع الصيت. ترجمة الكلمة تعني المغرد وتستخدم عند الحديث عن العصافير أو الطيور المغردة.
الميزة الأهم في تويتر هي السرعة والاختصار. والأهم سرعة الانتشار. تستطيع أن تتابع من تريد وتقرأ تغريداته حتى لو لم يتابعك. وتستطيع أن تؤسس ما يسمى بالـ هاشتاق بأي عنوان تراه مناسباً لك. الهاشتاق هو ملف جانبي يتم تحويل كل التغريدات إليه إذا حملت التغريدة مسماة مسبوقة بعلامة هاش #. فإن كنت ترغب في الحديث عن مطعم معين فما عليك إلا أن تهشتق هذا المطعم، كما يردد الشباب، وما هي إلا لحظات حتى تأتيك التعليقات عليه من كل مكان في العالم، ممن له تجربة معه بالطبع. الجميل في تويتر أن الجميع يكتب باسمه الحقيقي، وقلما تجد أسماءً مستعارة مجهولة، وهذا ما يعزز مصداقية الآراء التي يتم طرحها.
تويتر حقاً مثير. عندما نويت أن أكتب عنه هذا المقال طرحت بعض التساؤلات ليلة البارحة على المغردين حول تأثير هذا البرنامج على الناس، وعلى صناع القرار والأكاديميين والتجار والعمال. جاءتني تعليقات أفتخر بها حقيقة. يقول أحدهم إنه يرى في تويتر وسيلة سريعة للإبلاغ عن طفل مفقود، أو الحاجة الملحة إلى التبرع بالدم، أوالتنبيه من عاصفة أو تعطل طريق مزدحم. في المقابل يمكنك أن تتحدث عن ظاهرة سيئة أو جميلة كيفما تشاء.
انتشر في يوتيوب مقطع فيديو لشاب ينهال بالضرب على عامل، فيما يبدو أن المكان مزرعة أو ضاحية قرب مدينة. كان الشاب يضرب العامل وهو يضحك، ويتحدث إلى السيدة التي كانت تصور الجريمة. العامل يبكي ولا مجال أمامه للفرار. كان المقطع سادياً قبيحاً يثير الاشمئزاز. استثار هذا المشهد أحد الشباب فوضع هاشتاق خاص وأسماه حقوق العمالة أو ( #3malahrights). وما هي إلا دقائق وتحول الموقع إلى سيل من الاستنكارات من كل حدب وصوب، من داخل المملكة وخارجها. وفي صباح اليوم التالي وصلت التغريدات من شرق آسيا. منها بل وأهمها مطالبة الدولة بوضع حد لمثل هذه الممارسات، كما أشار إلى ذلك الزميل محمد آل الشيخ في زاويته أول من أمس في صحيفة الجزيرة. معظمنا ومع بالغ الأسف يعلم أن قوانين العمل التعاقدية الحالية التي تكفل الحقوق للعامل الأجنبي لا تسري على مثل هؤلاء، ولا تسري على العمالة المنزلية، وهذا يعتبر بنظري خللا لا بد من تداركه.
تويتر أيضاً هو وسيلة آنية للاستفتاء.
مساء الخميس وضع أحدهم تغريدة تطالب الناس بالإبراق إلى مديرة جامعة الأميرة نورة ومطالبتها بإلغاء حصة الرياضة البدنية من الجامعة، كون الرياضة المدرسية للبنات تعتبر مفسدة أخلاقية من وجهة نظره. انطلقت بعد ذلك أصوات المعارضين لاقتراحه ومعظمهم من الشباب والشابات لاستنكار مثل هذه المطالبة. قمت بإحصائية سريعة في أول ساعتين من فتح الهاشتاق الخاص، ووجدت أن المؤيدين لحصة الرياضة في الجامعة أكثر من 95% من المغردين وعددهم بالآلاف. الذي يجب أن نتنبه له هو أن هذا التصويت حقيقي، ولا توجد أسماء مستعارة أو متكررة كما أشرت في مقدمة المقال. كتب أحدهم تعليقاً ظريفاً في هذا العنوان قال فيه: (عندما تنادي بحرمان نصف المجتمع من الرياضة فسوف تهشتق لا محالة). المغرد وضع هذه التغريدة لأن الهاشتاق في هذه القضية حمل اسم صاحب الاقتراح. وقد سبق هذا الموضوع عدة مواضيع متعلقة بالمجتمع السعودي أيضاً منها العنوان الشهير (#women2drive)، وهو العنوان الذي خصص عن حق المرأة في قيادة سيارتها.
يقول أحد الأصدقاء ليلة البارحة في إجابة عن سؤالٍ طرحته: إن المجتمع يتغير وبسرعة فائقة مع هذا النوع السريع من التواصل. ويضيف: يمكنني أن أصنف نفسي في حقبتين. حقبة ما قبل تويتر وحقبة ما بعده. ومع هذا التعبير المتميز عن أثر هذا التواصل؛ هناك سؤال يطرح نفسه في هذا المشهد، ما أثر تويتر على صنع القرار السعودي؟ ما أثر هذا التحول السريع في إبداء الرأي ووجهات النظر على بعض القضايا المعلقة في مجتمعنا؟ هناك الكثير من الجدل حول قيادة المرأة لسيارتها. هناك جدل حول الارتقاء بالترفيه في المملكة وتطوير السياحة نوعاً وكماً، كإدخال الفن والدراما والسينما ضمن الفعاليات التي تحتاجها المناطق السياحية لجذب أكبر عدد من المصطافين. هناك جدل حول عمل المرأة في أجواء مختلطة ولكنها آمنة ومقننة، وذلك في سبيل مواجهة البطالة والإقلال من الأموال المهاجرة. وماذا عن إطلاع صناع القرارات في الدولة على مشاكل المواطنين مع مقدمي الخدمات؟ لقد تم وضع أكثر من عنوان حول أداء الخطوط السعودية وخدمات النقل بشكل عام. هناك مواضيع تتعلق بالتشدد والتكفير، وتشيد بدور الأجهزة الأمنية في محاربة الفكر الضال. وهناك أيضا عناوين تتحدث عن المعتقلين في هذه القضايا، وتناشد الحكومة بسرعة محاكمتهم والتخلص من هذا الملف، علما بأن المحاكمات قائمة وتسير مؤخرا بوتيرة سريعة. أخيراً وليس آخراً: نجد بعض المواضيع المتصلة بحماية المستهلك، والإشارة إلى بعض المنتجات المقلدة وملاحظات عن الأسعار والتنافس والجودة.
علقت إحدى المغردات إجابة عن تساؤل آخر بقولها: الملاحظ أن الشباب في تويتر هم أصحاب المبادرات والأفكار الخلاقة، وهم أكثر جرأة وأسرع تفاعلاً من غيرهم.. وتكمل: وهذا سيعمل على تغيير الصورة النمطية التي وصم بها الشباب سابقاً، وإعادة الثقة بهم، وإشراكهم في بناء هذا الوطن. كلام كبير والله. الحقيقة أن دخول هذا الفضاء الفسيح من التواصل والتعرف على رأي المجتمع في أي موضوع؛ يعتبر فرصة لا تعوض لكل باحث اجتماعي، أومخطط استراتيجي، أوخبير أمني. في السابق كنا ننفق الملايين من الريالات لمعرفة آراء المجتمعات حول هذه القضية أو تلك؛ من خلال الدراسات الميدانية الشاقة. اليوم بإمكان أي فرد منا وحسب مسؤوليته ومهامه أن يقدم على خطوته الأولى بمجرد وقفة عابرة في تويتر، ليتعرف على الآراء الأولية حول أي قضية.
لهذا فإنني ومن هذا المنبر أناشد كل المسؤولين عن تفعيل التنمية البشرية والاقتصادية في المملكة أن يبادروا إلى إيجاد الحلول التي تساعد على تحقيق أهدافنا المستقبلية، والتي ربما تعطلت لسبب أو لآخر. علينا التخلص من كل العوائق الاجتماعية التي كانت ولا تزال تقف في وجه الإنفاق الداخلي المنشود، المتمثل في الاستثمارات الجديدة، والذي ننتظر منه أن يساعد بشكل رئيسي على خلق فرص العمل المستقبلية لأبناء وبنات الوطن. هذا الهم الكبير برأيي يستحق أن يكون في أولويات كل المسؤولين لضمان مستقبل واعد لأجيال الغد. لا شك أن فشلنا في هذا التوجه ـ لا قدر الله ـ سيحمل الكثير من النتائج السيئة، وكل تغريدة وأنتم بخير.