سياسة المملكة الاقتصادية قائمة على مبدأ الاقتصاد الحر الذي يترك آلية تحديد الأسعار لعوامل السوق من عرض وطلب وعوامل أخرى مثل التنافس والتضخم أو الكساد ومتغيرات اقتصادية أخرى

تحدثت بعض الصحف المحلية مؤخراً عن تزايد شكاوى المواطنين والمقيمين في المملكة من ارتفاع فاحش شهده عدد من السلع الغذائية.
وجاء في الخبر أيضاً أن سبب هذا الارتفاع يعود إلى بدء موسم الصيف واقتراب شهر رمضان المبارك، ورفع الأسعار جاء أملاً من التجار بالحصول على أكبر قدر من الأرباح، وذلك باستغلال مثل هذه المواسم.
وفي شأن متصل قامت إحدى شركات الألبان برفع أسعار أحد منتجاتها، مما آثار ذلك خوفاً وجدلاً بين المواطنين من استمرار ارتفاع الأسعار لباقي المنتجات، مطالبين في الوقت نفسه بتفعيل الدور الرقابي لوزارة التجارة للحد من هذا الارتفاع وحماية المستهلك من جشع بعض التجار، وكان قرار وزارة التجارة حاسماً.
إن الحديث عن أسعار السلع والرقابة عليها يشوبه الكثير من عدم الدقة والنقص الحاد في المعلومات فضلاً عن عدم الاختصاص في الأمور الاقتصادية، وعند مناقشة هذا الموضوع والبحث عن أسباب هذا الارتفاع، نجد الكثير من المبررات والتي غالباً تأتي من قبل الشركات التجارية والمصانع والتي تتمثل أما في ارتفاع تكاليف التصنيع، أو ارتفاع أسعار المواد الأساسية في بلد المنشأ، أو زيادة الطلب على سلعة معينة مع قلة المعروض منها.
هذا فيما يتعلق بأسعار السلع، أما فيما يخص دور وزارة التجارة الرقابي، فالبعض يتخيل أن تقوم الوزارة بمعاقبة أي محل تجاري يقوم برفع الأسعار لأي سبب من الأسباب، وعليها أيضاً أن تقوم بتحديد الأسعار أو على الأقل ضبطها.
وحتى نفهم مشكلة ارتفاع الأسعار والدور الرقابي لوزارة التجارة، لا بد في البداية من التطرق إلى السياسة الاقتصادية للمملكة، والتي على ضوئها يمكن التعرف على آلية ضبط الأسعار والرقابة عليها، ومن ثم نقوم بمراجعة سريعة لأنظمة وزارة التجارة في هذا المجال، لتحديد دورها الرقابي على أسعار السلع والخدمات مع التركيز على نقطتين مهمتين يغفلها البعض للأسف الشديد، وهي مشكلة التضخم، ومسألة حماية المنافسة.
فمن المعلوم أن سياسة المملكة الاقتصادية قائمة على مبدأ الاقتصاد الحر الذي يترك آلية تحديد الأسعار لعوامل السوق من عرض وطلب وعوامل أخرى مثل التنافس والتضخم أو الكساد ومتغيرات اقتصادية أخرى.
وقد شهدت المملكة عامي 1428هـ، 1429هـ، موجة من الاتجاهات التضخمية أدت إلى ارتفاع أسعار بعض السلع وبشكل رئيسي في أسعار الأطعمة والمشروبات حيث بلغ المتوسط السنوي لمعدل الزيادة نحو (10.5%)، وبلغت الزيادة في أسعار الترميم والإيجار والوقود والمياه نحو (12.7%)، وذلك نتيجة لمجموعة من العوامل من أهمها ما يلي:
• نمو الطلب الإجمالي على السلع بمعدلات مرتفعة، مدفوعة بارتفاع حجم الإنفاق الحكومي.
• ظروف الجفاف التي شهدتها المملكة وتأثيرها على السلع الزراعية المحلية، وارتفاع الأسعار العالمية للمنتجات الزراعية.
• ارتفاع تكلفة الواردات مع انخفاض سعر صرف الريال مقابل العملات الرئيسية (ما عدا الدولار الأمريكي).
• وجود ممارسات من قبل بعض المنشآت التجارية تتمثل في القيام بتخزين بعض السلع والمواد والامتناع عن بيعها مدفوعين بتوقعات لارتفاع الأسعار لتحقيق مكاسب مالية
وفي إطار سعي الحكومة للحد من الآثار السلبية للتضخم، صدر قرار مجلس الوزراء رقم (11) وتاريخ 19 /1 /1429هـ، الذي تضمن مجموعة متكاملة من السياسات والإجراءات العاجلة لمكافحة التضخم، وكان من أهمها: منع أي نوع من الممارسات الاحتكارية وإعادة النظر في نظام الوكالات التجارية لمنع الاحتكار وتعزيز المنافسة، وهذا الإجراء يعتبر من أهم الآليات لعملية ضبط الأسعار والحد من ارتفاعها.
وفي الحقيقة أن المنافسة تعد مصدر إزعاج شديد لبعض التجار الذين يسعون لزيادة الأسعار وتحقيق أكبر قدر ممكن من الأرباح، إذ إن المنافسة القوية تصعّب زيادة الأسعار، وفي هذا الصدد يقول آدم سميث: نادراً ما يلتقي التجار الذين يعملون بنفس المصلحة مع بعضهم، وعندما يلتقون يكون ذلك للتسلية واللهو، وتنتهي المحادثات إلى التآمر ضد المستهلكين، أو حيلة لزيادة الأسعار.
وفي السوق الحرة وفي ظل المنافسة القوية لا تستطيع الشركات التجارية رفع الأسعار ولا القضاء على المنافسة، لأنها لا تستطيع استخدام القوة أو الإجبار في ظل الأنظمة والقوانين.. فماذا يمكنهم فعله إذاً؟.. هو التحايل على الأنظمة والتعليمات.
وهنا ينشأ الدور الرقابي لوزارة التجارة والذي يتمثل في حماية المنافسة ومنع الاحتكار، ومراقبة ورصد أية ممارسات من شأنها الإخلال بالأنظمة والقوانين، فقد نصت المادة الرابعة من نظام المنافسة الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/25) وتاريخ 4 /5 /1425هـ على أنه تحظر الممارسات أو الاتفاقيات أو العقود بين المنشآت المتنافسة أو تلك التي من المحتمل أن تكون متنافسة، سواء أكانت العقود مكتوبة أم شفهية، وصريحة كانت أو ضمنية، إذا كان الهدف من هذه الممارسات أو الاتفاقيات أو العقود أو الأثر المترتب عليها تقييد التجارة أو الإخلال بالمنافسة بين المنشآت، كذلك يحضر على المنشأة أو المنشآت التي تتمتع بوضع مهيمن، أي ممارسة تحد من المنافسة بين المنشآت، وفقاً للشروط والضوابط المبينة في اللائحة...
وبناءً على ما سبق يتعين على وزارة التجارة القيام بإجراءات التقصي والبحث وجمع الاستدلالات بالنسبة للشكاوى والممارسات المخالفة لأحكام نظام المنافسة وإحالتها لمجلس حماية المنافسة المنصوص على تشكيله في النظام للقيام بإجراءات الدعوى الجزائية ضد المخالفين.
هذا في رأيي سيحد بشكل كبير من ارتفاع الأسعار بل سيدفع الكثير من الشركات لتقديم منتجات ذات جودة عالية في سوق تنافسي قوي يحميه النظام والقانون، وبالطبع لا ننسى دور وفاعلية الوعي الاستهلاكي بالنسبة للمواطنين وهنا ينشأ دور جمعية حماية المستهلك، والتي حتى الآن لا نرى لها دورا واضحا في هذا المجال ولو على الأقل إعلامياً؟!.