من ينقذنا من هؤلاء؟ سؤال بت أردده في كل مرة أشاهد فيها مقدمي برامج على شاشة التلفزيون وهم يتحولون أمامي إلى قراء للسيرة النبوية .
من ينقذنا من هؤلاء؟ سؤال بت أردده في كل مرة أشاهد فيها مقدمي برامج على شاشة التلفزيون وهم يتحولون أمامي إلى قراء للسيرة النبوية ومدربين ووعاظ ثم علماء في السياسة والتخطيط والرقية الشرعية. خلال العشر السنوات الماضية ابتلينا بظاهرة مُدّعو التدريب البعض منهم يعتقد أن دورة واحدة تكفيه للوقوف أمام الناس مدرباً في كل شيء، وبعضهم تجرأ على العلوم فأصبح مدرباً للمدربين، وتمادى آخرون منهم ودخلوا باب السياسة. طبعاً من حق أي إنسان أن يتحدث ويكلم الناس بما يريد، ولكن يأتي الاعتراض عندما يدعي أنه قادر على تعليم شيء لا يعرفه، وعندما يغتصب موقعاً جماهيرياً لتوجيه الرأي العام.
هل وجود هؤلاء يعكس حالة جهل عامة يتقلد فيها من لا يعلم ويصبح معلماً ومدرباً وواعظاً وخبيراً في التفكير والإستراتيجية؟ أظن أنه يعكس حالة من اللامبالاة أطبقت على إعلامنا وكتابنا ولا تتصدى لخطر هؤلاء. ففي الوقت الذي يتجه فيه العالم إلى التدريب باعتباره يشكل قاعدة الأساس في التأهيل للتوظيف والعمل وتطوير الشخصية ، يفسد مدعو التدريب لدينا هذا المفهوم ونحن عنهم غافلون. لذا فإن الخوف يأتي عندما نجد أمامنا أجيالاً من الشباب والفتيات يلتحقون ببرامج هؤلاء ولا يحصدون منهم إلا الوهم.
سوف أتناول ثلاثة أمثلة لجانب واحد على الجرأة التي تمادى فيها مُدّعو العلم. أحد هؤلاء يتحدث بجرأة في أكثر من عشرة تخصصات في السيرة والتاريخ والتخطيط والجودة. وفي برامجه التلفزيونية يحول مسمى برامجه حسب السوق، من تاريخ العظماء إلى دروس وعبر في التاريخ. في الشهور الأخيرة تجاوز الأمر إلى تحريض شعب عربي على التظاهر ثم تحول بعد عدة أيام إلى ناصح لهم يعلمهم الأدب ويأمرهم بوقف التظاهر. لكنه في موقف جديد نراه ينقلب داعياً للتظاهر والخروج على الرئيس في بلد آخر! المثال الثاني لداعية (بفلوس) يسافر من بلد إلى آخر مستغلاً التدين والعاطفة الدينية عند الشباب، فيقرأ عليهم السيرة، تحول فجأة إلى داعية للتسامح على مقاس (الكتلوج). يبعد نفسه عن التدخل في السياسة، لكنه يتحول فجأة أيضاً إلى محاضر في جلسات الحزبيين ثم ظن أخيراً أن يصبح رئيساً. وثالث الأمثلة، متخصص في علم النفس يتجاوز محاضرات العلاج النفسي ويطالب بمستشفى للرقية الشرعية ويستمر في تجاوز تخصصه ليصل إلى إساءة الأدب في حديثه عن شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم.
لعل في هذه الأمثلة ما يكفي لتبيان الخطورة الفادحة عندما نترك مصائر أجيال من الشباب تتلقى سبل الرشاد من مدعي التدريب والبرامج الاستشارية. ويكفي القول إن أولى سقطاتهم التي تبين حجم المأساة أنهم يفشلون في أول اختبار للمصداقية عندما يدعون أنهم علماء وعندما يخدعون الناس أنهم متخصصون يملكون العلم. إنه فعلاً أمر خطير وسوف تزداد خطورته إذا تلبستنا حالة من الجبن نعجز فيها عن قول الحقيقة ومواجهة هؤلاء.