تُبيِّن التحذيرات الأخيرة التي وجهتها الحكومة الأميركية باحتمال حدوث هجمات إرهابية في أوروبا أن الإرهاب خطر يجب على العالم أن يتعايش معه على مدى المستقبل المنظور على الأقل. وأكَّد تقرير نشرته مؤسسة ستراتفور للأبحاث في أكتوبر الحالي على ضرورة بذل الجهود لتفكيك المجموعات الإرهابية والخلايا المستقلة، واكتشاف حتى الذين يحاولون القيام بنشاطات فردية، ومنع أي هجمات محتملة. ولكن من الناحية العملية، يستحيل القضاء على ظاهرة الإرهاب. حالياً، يبحث المتطرفون في أماكن مختلفة من العالم عن أساليب للقيام بهجمات ضد أهداف في الولايات المتحدة وأوروبا ومناطق أخرى من العالم، ومن المحتمل تقريباً أن تلاقي بعض هذه الخطط النجاح. ويلاحظ تقرير ستراتفور أن الحكومات كثيراً ما ترفع درجة التأهب تخوفاً من وقوع هجوم إرهابي دون أن تعطي للناس أي معلومات استخباراتية ملموسة، مما يجعل الناس مرتبكين دون أن يعرفوا ما عليهم عمله بخصوص هذه التهديدات. ومع أن هناك مخاطر متعددة في العالم، فإن هذا لا يعني أن على الناس أن يختبئوا تحت أسرتهم وينتظروا حدوث شيء ما. كما أن على الناس ألا يعتمدوا على الحكومات لتنقذهم من جميع المخاطر المحتملة. حتى جهود المؤسسات العسكرية القوية ووكالات مكافحة الإرهاب والاستخبارات والأمن الداخلي لا يمكن أن تنجح في القضاء على التهديدات الإرهابية بشكل كامل، لأن الجهات التي يمكن أن تقوم بهجمات إرهابية أكبر وأكثر تنوعاً وانتشاراً من أن يمكن السيطرة عليها. لكن هناك إجراءات أمن بديهية على الناس أن يتخذوها بغض النظر عن مستوى الخطر.
الوعي الظرفي
إن الأساس الذي ترتكز عليه جميع إجراءات الأمن الفردية هو الوعي الظرفي. على المرء قبل اتخاذ أي إجراء، أن يعي أولاً أن الخطر موجود. فالجهل أو إنكار الخطر وعدم اهتمام المرء بما يحيط به يقلل من احتمال اكتشافه للخطر واتخاذ التدابير اللازمة في الوقت المناسب. ربما الحظ أو عدم كفاءة المهاجم هما فقط اللذان يؤديان إلى إنقاذ مثل هذا الشخص. لذلك فإن اللامبالاة والإنكار والتهاون يمكن أن تحمل معها مخاطر قاتلة، ويُعتبر تحمل المرء لمسؤولية أمنه الشخصي من أهم عناصر السلامة، لأن موارد أي حكومة في العالم تكون محدودة على الأغلب ولا تستطيع السُلطات أن تكون في كل مكان في ذات الوقت لتمنع حدوث جميع الأعمال الإرهابية.
إن الهجمات الإرهابية لا تحدث بشكل سحري، فهي جزء من عملية متعمدة تتألف من عدة خطوات محددة، وهناك عدة نقاط في تلك العملية يكون فيها المتآمرون عرضة لانكشاف أمرهم. فأولئك الذين يتمتعون بالوعي الظرفي يستطيعون غالباً أن يلاحظوا مرحلة التخطيط ويتخذوا الخطوات المناسبة لتجنب المواقف الخطرة أو منع حدوثها تماماً. إن المواطنين يمتلكون قدرة تفوق وكالات الاستخبارات والشرطة على ملاحظة التصرفات المريبة، واستخدام مثل هذه القدرات يزداد أهمية يوماً بعد يوم مع ميل الإرهابيين لاختيار أهداف سهلة، أو ما يسمى بـالأهداف الناعمة. لكن من المهم التأكيد على أن ممارسة الوعي الظرفي لا تعني العيش في حالة من الرعب الدائم، حيث هناك أوقات يكون فيها الحذر ضرورياً، وعلى المرء أن يكون في حالة من الهدوء كي يتمكَّن من التصرُّف بحكمة.
الاستعداد
عقب حدوث الهجمات الإرهابية مباشرة تعم عادة الفوضى والارتباك بشكل كبير، وكثيراً ما يسود الذعر لدى محاولة الناس الهرب من مكان وقوع الحادثة. وفي الوقت نفسه، تحاول الشرطة ووحدات الطوارئ الطبية والإطفاء التعامل مع ما يتطلبه الموقف، لذلك قد يكون هناك زحام كبير ويصعب السيطرة على المشاة. وهذا الأمر يزداد سوءاً في حال وجود دخان أو حريق، وفي الواقع فإن كثيراً من الإصابات الناتجة يكون سببها استنشاق الدخان أو التعرض للوقوع على الأرض أثناء الزحام. وكثيراً ما يسبب الهجوم انقطاع التيار الكهربائي، وهذا يؤدي إلى محاولة الأشخاص المحاصرين في أنفاق أو أماكن مرتفعة، الهرب عبر أنفاق أو سلالم مليئة بالدخان. إن أفضل فرص النجاة للعالقين في مكان حدوث الهجمة الإرهابية يكون في وضع خطة طوارئ مسبقة. ومثل هذه الخطط يجب أن تكون موجودة للبيت ومكان العمل والمدرسة بحيث يعرف كل شخص مسبقاً أين عليه أن يذهب وما عليه أن يفعل إذا اضطر لإخلاء المكان. ومن الطبيعي أن ينسق أهالي الأطفال بشكل جيِّد مع مدارس أطفالهم وأهالي الأطفال الآخرين. ويجب أن تحدد خطط الطوارئ أماكن تجُّمع لأعضاء الأسرة الذين قد يفترقون.
إن عدم قدرة الشخص على التواصل مع أسرته بسبب وجود ضغط كبير على خطوط الهاتف والجوال، أو بسبب مشكلات أخرى في الاتصال، يمكن أن يفاقم الإحساس بالذعر خلال الأزمة. لذلك فإن وجود خطة طوارئ يخفف التوتر الناتج عن عدم القدرة على التواصل مع الأهل والأقارب بشكل مباشر. كما يجب أن تحتوي خطط الطوارئ على خطة اتصال توفر وسائل بديلة في حال تعطل شبكة الهاتف.
الأشخاص الذين يعيشون أو يعملون في أماكن مرتفعة، والذين يستخدمون قطار الأنفاق في بعض المدن بشكل متكرر، عليهم أن يفكروا في شراء وحمل بعض الأجهزة التي تساعدهم على إخلاء مثل هذه الأماكن، مثل غطاء رأس خاص بالدخان و مصباح يدوي صغير. كما أن من الحكمة أيضا إعداد حقيبة صغيرة تحوي ملابس وماء وإسعافات أولية وأمورا صغيرة أخرى لأفراد الأسرة. يمكن الاحتفاظ بمثل هذه الحقيبة في السيارة أو في مكان مناسب في المنزل.
إن المشاكل تتفاقم في حال وجود عدد كبير من الأشخاص غير المستعدين وهم يحاولون البحث عن حلول في وقت الأزمة. لذلك فإن وضع خطة طوارئ يعطي حتى الشخص الذي تعرض للصدمة إطاراً يعتمد عليه وطريقاُ يسلكه. كما أن خطة الطوارئ تسمح للشخص أن يتقدم على البقية نحو مراحل متطورة من حماية الذات أو الإخلاء.
أمن وسلامة السفر
بالطبع فإن الأمور الطارئة لا تحدث كلها قرب المنزل أو حتى في نفس المدينة أو البلد، ولذلك كثيرا ما تصدر الحكومات تحذيرات من السفر إلى مناطق معينة في العالم – مثل التحذير الذي أصدرته الحكومة الأميركية من السفر إلى أوروبا مؤخراً. لذلك فإن ممارسة الوعي الظرفي تنطبق على الأشخاص خلال السفر أيضاً، تماماً كما تنطبق عليهم في الحالات الأخرى. كما أن هناك خطوات صغيرة أخرى يمكن اتخاذها للحفاظ على السلامة والأمن من المجرمين والإرهابيين خلال السفر.
خلال السنوات الماضية، اتخذت بعض المجموعات الإرهابية الفنادق أهدافاً سهلة لمهاجمتها بدلاً من مهاجمة السفارات والبعثات الدبلوماسية التي زادت إجراءاتها الأمنية. لذلك على المسافر ألا يفكِّر فقط بأسعار المبيت في الفندق، بل بإجراءات الأمن التي يتخذها أيضاً. الفنادق القريبة من المعالم المهمة يجب دراستها باهتمام وحذر. كما يفضل اختيار غرف فوق الدور الأرضي لمنع المهاجمين المحتملين من دخول الغرفة بسهولة، ولكن من الأفضل ألا تكون الغرفة في دور مرتفع كثيراً بحيث يمكنهم استخدام سلم الإطفاء أو سلالم الطوارئ إذا احتاج الأمر. وبالطبع فإن نزلاء الفندق يجب أن يتعرفوا على مخارج الطوارئ ويتأكدوا من عدم وجود عوائق فيها.
المنظور الحقيقي وعدم المبالغة
أخيراً، من المهم وضع التهديدات الإرهابية ضمن منظورها وإطارها الحقيقي وعدم المبالغة في تقديرها. فعدد الأشخاص - بما في ذلك السياح- الذين يكونون ضحية لحوادث السير أو لأعمال إجرامية في أوروبا وغيرها أكبر بكثير من عدد الأشخاص الذين قد يقعون ضحية لعمليات إرهابية.
إذا عاش الناس حياتهم في حالة خوف دائم فإن الإرهاب يكون قد حقق أحد أهم أهدافه. وإن مواجهة الإرهاب تتطلب التمتع بعقلية سليمة واتخاذ إجراءات الأمن الأساسية وممارسة الوعي الهادئ. هذه العوامل تعمل معاً على تبديد الذعر ومنع الخوف من الإرهاب من السيطرة على حياة الناس.