الذين قتلوا طفل الطائف، الابن أحمد الغامدي، لم يكونوا يداً مفردة وحيدة مثلما هي اعترافات زوجة الأب لأنه ابن 'المطلقة' السابقة. الذين قتلوا هذا الطفل هم نحن جميعاً بلا استثناء، لأننا معه لم نكن بأكثر من متفرجين على
الذين قتلوا طفل الطائف، الابن أحمد الغامدي، لم يكونوا يداً مفردة وحيدة مثلما هي اعترافات زوجة الأب لأنه ابن المطلقة السابقة. الذين قتلوا هذا الطفل هم نحن جميعاً بلا استثناء، لأننا معه لم نكن بأكثر من متفرجين على الطابور الطويل لمئات الأطفال الذين مروا من قبل على ذات المساء الحزين وعاشوا أو مازالوا يلبسون مأساة هذا الابن. ومن قبل، ربما بكينا على طفل الشمال الذي قتلته زوجة أبيه، وذرفنا الدموع على قصة فتاة مكة التي تآمر فيها الأب مع زوجته في تعذيب منهجي دام لسنوات طويلة: كانت مدرستها تصرخ وتئن، وكانت تضمد جراحها وهم يشاهدون السياط على الظهر النحيل، وكانت حروقها على أجزاء الجسد حروقاً في ضمير هذا المجتمع الذي لم يحرك ساكناً إلا: حين غابت هذه الفتاة عن المدرسة فاكتشفنا أنها ذهبت إلى القبر.
أول الضحايا في مأساة طفل الطائف هو والده ولسبب بسيط: لأنه المكلوم المفجوع ولأن النظام يعطيه حق الحضانة التلقائي دون أن يدرس هذا النظام كل الظروف التي تحيط بطفله وأخته تحت أنياب زوجة تنتقم لنفسها من أطفال الزوجة السابقة. وللأسف الشديد، فإن النظام الذي يعطي الآباء حق الحضانة تلقائياً مازال يظن أننا نعيش في خيام الشعر لا في جرائم القرن الحادي والعشرين.
ولن أسمح لأحد أن يجادلني أن هذا الحق في الحضانة هو رأي الشرع، لأن حفظ النفس وعصمة الدماء هما أبرز ورأس مقاصد هذا الدين العظيم. هذا الدين العظيم لا يقول بأن ندفع بهؤلاء الأطفال إلى أحضان المجهول، وللأسف الشديد، أننا لا نكتشف إلا القتيل بينما آلاف الأطفال لم يصلوا بعد لنجاة الموت كي يرتاحوا من هذا العذاب المتصل. والمجتمعات التي تحترم كرامة الإنسان، تضع ضعف الطفل وقلة حيلته على رأس الأولويات. المجتمعات التي تعيش بضمير حي لا تعطي حق الحضانة لطفل إلا بعد تحريات اجتماعية وتقصٍّ دقيق وبحث مدروس للظروف التي تدفع هؤلاء الأبرياء للعيش في قسوتها وجبروتها المخيف. نحن لم نفعل مثقال ذرة لإنقاذ هؤلاء الأطفال من طابور العذاب الطويل. نحن لم نتنبه إلى الحقيقة التي لا يجادل فيها أحد: لم نسمع أبداً بطفل واحد قتلته أمه.