المئات من عمال المناجم قتلوا دون أن يشعر بهم أحد وفي سان خوسيه توحد العالم
في باطن الأرض في قلب الصحراء وأسفل الجبال يمضون أغلب عمرهم لا يدري بهم أحد حتى أطلق عليهم وصف المنسيون ، إنهم عمال المناجم الذين كثيراً ما يتعرضون لحوادث قاتلة دون أن يشعر بهم أحد أو يموتون في باطن الأرض تحت صخور المنجم دون أدنى محاولة لانتشال جثثهم . مئات الحوادث وأرقام القتلى التي احتشدت بها الأخبار دون أن يلقي أحد لها بالاً . لكن في شيلي كان الوضع مختلفا وكان عمال منجم سان خوسيه للنحاس الأكثر حظاً من بين عمال المناجم الأخرى في العالم، فهناك انتقل 33 فرداً من المنسيون في باطن الأرض إلى قلب العالم وشاشات التلفزيون في شتى أرجاء الأرض طوال 68 يوماً قضاها العمال محاصرين على بعد 700 متر في باطن الأرض ، إلى أن نجح فريق إنقاذ دولي في إخراجهم أمس عبر كبسولة صنعت خصيصاً لذلك الغرض . وفي شيلي أيضاً كانت القصة مختلفة، فبجانب كون عملية منجم سان خوسيه تعد واحدة من أكبر عمليات الإنقاذ في التاريخ شهد ذلك المنجم حالة فريدة من نوعها في حشد وتسخير التكنولوجيا والمعدات الضخمة من كافة أرجاء المعمورة لخدمة الإنسانية ولتسخر أيضا وكالة ناسا الأمريكية جزءا من جهودها وعقول علمائها الموجهة لغزو الفضاء والأرض لإنقاذ مجموعة من العمال البسطاء دفنوا في باطن الأرض . فمن جنوب أفريقيا إلى أوروبا وأستراليا وكندا جاء المهندسون والخبراء للمساهمة في إنقاذ العمال. وبالطبع كان لشركات التنقيب الدور الأكبر في تلك العملية، كل يقدم ما لديه من معدات وخبرات لإخراج العمال من باطن الأرض . حدث فريد من نوعه جعل رئيس أكبر دول الأرض يعلن من خلال متحدثه الرسمي في البيت الأبيض أنه يصلي من أجل إنقاذ العمال. حدث يثبت للعالم بأجمعه أن تضافر الجهود البشرية لمصلحة الإنسان أفضل بكثير من التناحر لفرض النفوذ والسيطرة. لمَ لا وفي الأولى يخرج الجميع منتصرين؟
المهمة الصعبة
بقدر صعوبة الموقف كان التفكير في إنقاذ العمال بأقل قدر من الخسائر، فهناك منجم انهار منه جزء والباقي معرض للانهيار في أي لحظة أو مع أي محاولة غير مدروسة للحفر . وكان الحل الذي تم التوصل له بعد جهد لايستهان به واختبار للإمكانيات المتاحة يتمثل في حفر بئر عمقها 622 مترا بعرض 54 سنتيمترا بعيدا عن مدخل المنجم والأماكن الضعيفة فيه وفي نفس الوقت قريبا من مكان العمال . المهمة صعبة والحفارات المتاحة قد تستغرق شهوراً لتنفيذ المهمة . من هنا كانت أولى خطوات الإنقاذ هي ضمان بقاء العمال على قيد الحياة لحين إخراجهم وذلك بعمل ثقب في الصخور لإمداد العمال بكل ما يضمن بقاءهم على قيد الحياة من طعام وشراب بل تم إمدادهم أيضا بكاميرا لتسجيل يوميات الحصار تحت الأرض. وبقيت المهمة الأصعب وهي النفق الرئيسي الذي سيستخدم لإخراج العمال وقد خلص الفنيون بعد عدة تجارب و3 خطط بحفارات مختلفة الأحجام والقدرات والجنسيات إلى ضرورة أن يكون قطره 61 سنتم مع توفير الدعائم المعدنية له في جوانبه خشية انهياره . أما وسيلة الخروج فهي الكبسولة فونيكس (اسم طائر خرافي ) وهي كبسولة صنعت خصيصاً في شيلي لهذا الغرض بطول 3.9 أمتار وعرض 54 سنتم ويصل وزنها إلى 420 كلجم. كما روعي في صناعتها أن تحمي جسم العامل من الضغط وتمنع تسرب الرطوبة ، كما تم تصميم ملابس ذات مواصفات خاصة لحماية العمال من تلك العوامل الطبيعية وتأثيراتها على الجسد . وكان فجر أمس لحظة الحصاد للجهد الذي بذل طوال الفترة الماضية . وبدأت عملية الإنقاذ بإنزال عامل إنقاذ في الكبسولة لمساعدة العمال المحاصرين . وكان فلورينسيو أفالوس أول من يخرج من عمال المنجم المحاصرين وأول من يرى ضوء الشمس بعد 68 يوما قضاها مع رفاقه بين اليأس والأمل ليقضي المقبل من أيامه هو ورفاقه محاصرا بين وسائل الإعلام وعدسات المصورين . وفور خروج فلورينسيو تم نقله إلى المستشفى للخضوع إلى الرعاية الطبية ليتوالى بعد ذلك إخراج باقي العمال والذي يستغرق 48 ساعة لينقلوا جميعا إلى المستشفى . كما سيخضع العمال وفقا لتصريحات السلطات الشيلية للعلاج النفسي لفترة تصل إلى ستة أشهر ، حيث قال المحلل النفسي في الجامعة الكاثوليكية في تشيلي انريكي شيا إن حياتهم السابقة انتهت، معتبرا أن عمال المنجم سيواجهون تحديا كبيرا لإعادة التكيف في فترة ما بعد الصدمة المحفوفة بالمخاطر.