عبرثلاثة عشر فصلا حافلة بالهوامش والإحالات وعلى مدى أكثر من ستمئة صفحة من القطع الكبير يطرح الدكتور فهد العرابي الحارثي في كتابه (المعرفة قوة.. والحرية أيضاً!) الصادر أخيرا عن الدار العربية للعلوم ناشرون في بيروت، ما يعتقد أنها مسارات محتومة للمنافسة، وما يعتقد أنها قضايا جديرة بالمناقشة والتداول، فهي، في نظره، أوجاعنا التي انهكتنا وقعدت بنا عن حَلّ مشكلاتنا مع التنمية والتفوق، ومع الرفاه والمستقبل، وهو لم يعد يتذكر أين قرأ هذه العبارة المستقبل ليس هدية.. المستقبل إنجاز، ولكنه آمن بها، واعتنقها، ووجد أنها أهم ما يلخص فكرته الرئيسة في هذا الكتاب الضخم في ما يطرحه من قضايا وتساؤلات تتصل بمفاهيم التنمية والتخلف في العالم العربي.
ونجده يقول في مقدمة الكتاب: يدخل العرب اليوم القرن الجديد وهم أضعف مما كانوا عليه في القرن الماضي، فالأمية الهجائية مازالت فائقة، والأمية العلمية والثقافية لا قبل لأحد بمواجهتها، وبؤر الفقر والعوز تزداد توسعاً، والحكومات والمليشيات والطوائف والعرقيات منشغلة بالحروب (ست جبهات مشتعلة الآن في العالم العربي، ومثلها جاهزة للانفجار في أي لحظة)، والعرب لم ينتبهوا حتى الآن إلى الوقت الذي يفرّ من بين أيديهم وهم يواصلون غرقهم واندثارهم، وخروجهم من حلبات السباق.
ولا يتردد الحارثي في وصف التنميات العربية، بأنها تنميات ملفقة، عرجاء، عمياء، انعزالية، صممت للاستهلاك السريع وليس للإبداع والرسوخ والثبات والشراكة الحقيقة في المنجز البشري على مستوى الكون. وأنها خلقت ثقافة مجتمعية مصابة بأنواع من العلل المستعصية، أظهرها وأبرزها ثقافة البطالات المتنوعة التي اكتسبت شرعيتها، كما يقول أحد الباحثين، من نظام اقتصادي واجتماعي مختل، يحتاج إلى هيكلة جديدة تضع نصب عينها تنمية الإنسان، والارتقاء به، وتفجير طاقاته وإمكاناته. فالرفاه الذي يدخل من باب ثقافة الإنتاج وتنمية القيم المفضية إليه هو شيء آخر مختلف تماماً عن الرفاه الذي يداهمنا من أبواب الاستهلاك والكسل، أو من باب الفهم الخاطئ للمستقبل وشروطه وظروفه وتحدياته.
وفي الشأن الإبداعي يتطرق الحارثي لما يسمى بروايات الجوال التي يقول إنها تغزو السوق اليابانية وتتمتع بجماهيرية واسعة وتبيع الواحدة منها آلاف النسخ.
كما يتناول مشروعات الشباب في التأليف على الشبكة العنكبوتية، التي يصفها بأنها تتم بتلقائية، ويستشهد في هذا السياق بمشروع حكاية إلكترونية نشرت على الإنترنت بعنوان ذيك السنة، طارحا مسألة التخفي بأسماء مستعارة، واصلا إلى أن مثل هذه التجارب هي في الغالب لمبتدئين، دون أن ينفي عنها صفة التأثير اجتماعيا وثقافيا قائلا: وصل تعداد زوار إحدى الروايات الإلكترونية في السعودية إلى أكثر من أربعمئة ألف زائر، وهذا ما لم يحدث قط لأي رواية تنتمي إلى الصناعة التقليدية في الكتابة مهما علا شأن كاتبها.