شهد يوم 11 سبتمبر 2010 فعاليات رسمية في الولايات المتحدة الأمريكية لإحياء ذكرى الهجمات الإرهابية التي أودت بحياة آلاف الضحايا. وكان ذلك اليوم أيضا مناسبة للنظر في ردة الفعل الأمريكية على الهجمات، بما في ذلك محاولة القضاء على تنظيم القاعدة والمجموعات الإرهابية الأخرى لمنع حدوث هجمات مشابهة لما حدث يوم 11 سبتمبر 2001. وبالطبع فإن غزو أفغانستان والعراق كان جزءا من الرد الأمريكي على الهجمات، لذلك فإن ذكرى الأحداث كانت مناسبة للنظر في مخططات الانسحاب الأمريكي من هذين البلدين لتتمكن الولايات المتحدة من التركيز على شؤون أكثر أهمية في الداخل الأمريكي ومناطق أخرى من العالم. وبحسب دراسة نشرتها مؤسسة ستراتفور للأبحاث الاستخباراتية والأمنية على موقعها الإلكتروني في سبتمبر الحالي فإن محاولة للقيام بهجوم إرهابي على بلد غربي آخر أحبطت في اليوم الذي سبق ذكرى هجمات سبتمبر هذا العام. ففي يوم 10 سبتمبر 2010 ساهمت الصدفة في تجنيب الدنمرك محاولة حدوث هجوم إرهابي بسبب الانفجار العرضي لعبوة متفجرات مصنوعة يدويا في حمام أحد فنادق العاصمة كوبنهاجن. ولم تنشر السلطات الدنمركية الكثير من التفاصيل عن الحادث، ولكن يبدو أن المتهم الذي حاول القيام بالهجوم كان يهدف إلى مهاجمة جريدة يولاند بوستن الدنمركية التي سبق أن استهدفت بسبب نشرها لرسوم مسيئة للرسول محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ عام 2005. وقد حاولت جماعات متشددة كثيرة مثل تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية أن تبقي قضية الرسوم حيَّة لتحريض مشاعر المسلمين، ويبدو أنها نجحت في ذلك إلى حد ما. ومن المهم ملاحظة أن هذا الهجوم الإرهابي حتى لو أنه لم يكن قد فشل فإنه كان بسيطا ولم يكن سيسبب نتائج مدمرة.
ولكن على الرغم من الهجوم الفاشل في الدنمرك فإن أهم ما يميِّز ذكرى 11 سبتمبر في 2010، من المنظور التحليلي على الأقل، هو ما لم يحدث. لأول مرة، لم تطلق القيادة المركزية لتنظيم القاعدة موجة من التصريحات الإعلامية للاحتفال بالمناسبة. التصريح الوحيد الذي نشرته القاعدة لم يكن براقا أو موجها بدقة كما كان يحدث في السنوات السابقة. هذا الأمر جعل بعض المراقبين يعتقدون أن قيادة القاعدة ربما بدأت تفقد موقعها الإيديولوجي الرائد في الحركة الجهادية.

تاريخ رسائل الذكرى السنوية
كان تنظيم القاعدة دائما يستغل ذكرى هجمات 11 سبتمبر كفرصة دعائية إعلامية يحاول من خلالها كسب تأييد الشارع الإسلامي ورسم ما حدث على أنه عمل بطولي استهدف من يسميهم التنظيم أعداء المسلمين في ديارهم. وذلك انتقاما لما يحدث في فلسطين ومناطق أخرى من العالم الإسلامي. هذا الاستغلال الإعلامي بدأ في سبتمبر 2002 عندما أصدر تنظيم القاعدة مجموعة من الرسائل بأشكال متعددة ليتزامن نشرها مع الذكرى الأولى لهجمات 11 سبتمبر. وتضمنت هذه الرسائل شريط فيديو مدته ساعة حمل عنوان الشهداء الـ19، إشارة إلى منفذي الهجمات؛ وكتابا نشرته مؤسسة الأنصار الإعلامية يروي حكاية هجمات 11 سبتمبر؛ ورسالة صوتية من الرجل الثاني في تنظيم القاعدة أيمن الظواهري؛ وبيانا من المكتب السياسي في تنظيم القاعدة؛ وتصريحا من الناطق باسم تنظيم القاعدة في ذلك الوقت سليمان أبو غيث. وفي 7 أكتوبر 2002 نشر تنظيم القاعدة رسالة من زعيم التنظيم أسامة بن لادن إلى الشعب الأمريكي في الذكرى الأولى للغزو الأمريكي لأفغانستان.
منذ 2002 تضمنت الرسائل التي وجهها تنظيم القاعدة في ذكرى أحداث سبتمبر ما يلي:
• شريط فيديو في سبتمبر 2003 يظهر أسامة بن لادن وأيمن الظواهري يمشيان في الجبال ويمتدحان منفذي هجمات 11 سبتمبر، وعرض على قناة الجزيرة. كما أصدر الجناح الإعلامي للقاعدة ـ السحاب ـ شريطا يتضمن وصية سعيد الغامدي أحد منفذي الهجمات.
• رسالة صوتية في سبتمبر 2004 من أيمن الظواهري أذيعت في نفس اليوم الذي حدث فيه الهجوم على السفارة الأسترالية في جاكرتا، وإندونيسيا.
• شريط فيديو في سبتمبر 2005 ظهر فيه آدم جادان الأمريكي المسلم الذي أصبح المتحدث باسم تنظيم القاعدة، وهدد بتنفيذ هجمات ضد لوس أنجلوس وملبورن. وكان الظواهري قد أصدر شريط فيديو في 1 سبتمبر تضمن وصية محمد صديق خان قائد المجموعة التي نفذت تفجيرات لندن في 7 يوليو.
• شريط فيديو في سبتمبر 2006 ظهر فيه آدم جادان مرة أخرى، وظهر إلى جانبه هذه المرة أيمن الظواهري، ووجه رسالة القاعدة بمناسبة الذكرى الخامسة لهجمات 11 سبتمبر. وفي 7 سبتمبر أصدر جهاز الإعلام في القاعدة ـ السحاب ـ شريط فيديو آخر بعنوان غزوة مانهاتن، تلاه شريط فيديو يتضمن لقاء مع أيمن الظواهري في 11 سبتمبر. كما نشر السحاب شريط فيديو عرض للمرة الأولى يظهر فيه أسامة بن لادن وعدد من قادة القاعدة وهم يخططون لهجمات 11 سبتمبر.
• شريط فيديو في سبتمبر 2007 أنتجته مؤسسة السحاب الإعلامية بعنوان الحل يتحدث فيه أسامة بن لادن، وتلاه شريط فيديو يتضمن تصريحا لأسامة بن لادن في 11 سبتمبر ووصية أبومصعب وليد الشهري أحد منفذي هجمات 11 سبتمبر.
• شريط فيديو في سبتمبر 2008 أصدرته مؤسسة السحاب، وينتقد فيه أيمن الظواهري إيران بسبب مساعدتها للأمريكيين في العراق وأفغانستان. وفي 17 سبتمبر أصدرت مؤسسة السحاب شريط فيديو آخر بعنوان نتائج سبع سنوات من الحروب الصليبية، وفي 19 سبتمبر أصدرت رسالة أخرى من الظواهري.
• شريط فيديو في سبتمبر 2009 من إنتاج السحاب تضمن صورا ثابتة لأسامة بن لادن ورسالة صوتية منه موجهة إلى الشعب الأمريكي في ذكرى هجمات 11 سبتمبر. كما أصدرت مؤسسة السحاب شريط فيديو للظواهري في 29 أغسطس بعنوان طريق الهلاك.
• شريط فيديو في سبتمبر 2010 من إنتاج مؤسسة السحاب تضمن صورا ثابتة للظواهري ورسالة صوتية منه بعنوان أمة منتصرة وصليبية منكسرة.
هذا العرض التاريخي السريع يبين انحدارا نوعيا وكميا مطردا لرسائل القاعدة في ذكرى هجمات سبتمبر. حتى محتوى رسالة الظواهري عام 2010 كان سطحيا وغير ملهم لا يتعدى كونه إعادة لنقاط سبق للتنظيم أن كررها في السابق. كما لم تتضمن الرسالة الأخيرة دعوات مثيرة للعمل أو تهديدات جديدة للغرب.
تفسير الانحدار
هناك أشخاص قليلون داخل القيادة المركزية لتنظيم القاعدة وجناحها الإعلامي يعرفون السبب الحقيقي لانحدار مستوى الدعاية الإعلامية للتنظيم. لكن هناك عدة تفسيرات محتملة لذلك التدهور. التفسير الأول هو أن تنظيم القاعدة يتعمد اللجوء إلى فترة صمت إعلامي بانتظار تنفيذ هجوم كبير. هذا احتمال وارد بالتأكيد، لكن دراسة الأنماط السابقة لرسائل تنظيم القاعدة الإعلامية والهجمات التي نفذها منذ 11 سبتمبر 2001 لا تظهر أي علاقة بين فترات الصمت وتنفيذ هجمات. في الواقع كانت مؤسسة السحاب أحيانا تصدر رسائل إعلامية قبل فترة قصيرة من هجمات كهذه، مثل ما حدث قبل هجمات مدريد في مارس 2004 وهجمات لندن في يوليو 2005. كما كانت السحاب ناشطة جدا في الأشهر التي سبقت إحباط محاولة التفجير باستخدام مواد سائلة في مطار هيثرو، لندن في أغسطس 2006، كما نشرت عدة بيانات في الأسابيع التي سبقت هجمات بومباي، الهند في نوفمبر 2008.
في الماضي كان بعض قراصنة الإنترنت يستغلون ذكرى هجمات 11 سبتمبر لتعطيل مواقع جهادية في محاولة لشل قدرة القاعدة على توزيع رسائلها في ذكرى هجمات سبتمبر. حدث هذا بشكل خاص في سبتمبر 2008 حيث تسببت القرصنة في تأخير الرسائل حتى 17 و19 سبتمبر. ولكن هذا العام ليست هناك مؤشرات على وجود حملة قرصنة إلكترونية واسعة ضد المواقع الجهادية، ومع أن بعض هذه المواقع متوقف لأسباب مختلفة، فهناك مواقع أخرى مستمرة في نشاطها المعتاد. ومن المحتمل أيضا أن تكون الفيضانات التي ضربت باكستان هذا العام قد تسببت بنزوح قادة القاعدة أو طاقم مؤسسة السحاب. لكن الفيضانات بدأت في أواخر يوليو، أما ندرة رسائل قادة القاعدة فتعود لفترة أبعد من ذلك، حيث شهد عام 2010 صمتا غير عادي للتنظيم. رسائل ذكرى الهجمات كان يتم إعدادها سابقا قبل أسابيع وأشهر من نشرها، ولذلك كان لدى طاقم مؤسسة السحاب الوقت الكافي للتأقلم مع الفيضانات إذا كان ذلك هو السبب.
التفسير الأكثر احتمالا لانحدار نشاطات مؤسسة السحاب الإعلامية قد يكون زيادة عدد الهجمات التي تنفذها الطائرات الأمريكية بدون طيار داخل باكستان في مناطق تقع على الحدود مع أفغانستان منذ أغسطس 2008. قتل أكثر من 1000 شخص نتيجة هذه الهجمات بما في ذلك عدد من أبرز قادة القاعدة. وقد تكون هناك مجموعة من الأسباب المشتركة التي تسببت بهذا الانحدار وساهمت الفيضانات وقراصنة الإنترنت في تعقيد المشكلة لمنظمة يحاول أعضاؤها الهرب من هجمات الطائرات الأمريكية. وحتى لو كان أعضاء القيادة المركزية للقاعدة يعيشون بعيدا في داخل باكستان، فإن هناك عددا من القادة الآخرين ينشطون في المناطق الحدودية وتأثروا بالتأكيد بسبب هذه الضربات.
ربما تعود مؤسسة السحاب خلال أيام أو أسابيع قليلة لنشر سيل من الرسائل ذات النوعية العالية كما كانت تفعل في الماضي. وربما تظهر أشرطة فيديو جديدة لأسامة بن لادن وأيمن الظواهري لتعيدهما إلى موقع الريادة في الحركة الجهادية العالمية وتحفز أنصارهما على العمل. لكننا من ناحية أخرى ربما نشهد حاليا تراجع القيادة المركزية لتنظيم القاعدة في الساحة الإيديولوجية.