رغم أني تعلمت من إقامتي باليابان أنه يجب أن نتصرف بشكل يجعل مخاطبنا محقا، إلا أني في ذلك الوقت لم أكن يابانيا بما فيه الكفاية. ونعتُ كايوا بقليل من اللياقة وربما بنوع من القسوة. كنت متمسكا بأن القصة البوليسية من صنع (إدجار آلن بو) الذي كتب جريمة قتل في زقاق مورج. هكذا تحدث الكاتب الأرجنتيني خورخي لويس بورخيس (1899 - 1986) وهو يتناول أصل الرواية البوليسية، حاكيا سجالا جرى بينه وبين روجيه كايوا.
كان يعتقد أن القصص البوليسية هي التي منحت بو مكانته في الأدب، إذ رأى دائما أن بو كان يعي تماما أن القصة البوليسية أصلها غرائبي، لكن كايوا يرى أن الرواية البوليسية وجدت قبل بو.
قال بورخيس عن ذلك السجال (بعد ذلك أفحمني كايوا بكرمه حين أخذ كتبي ضمن مجموعته ثم صوت لصالحي في جائزة الفورمنتور. لقد نسينا ذلك الخصام الذي لا أهمية له معا، وأعتقد أن رأيي في دور بو قد تم قبوله).
في عمل رجاء عالم الأخير (طوق الحمام) الحائزة جائزة البوكر، شيء ما، يقربه إلى القص البوليسي، بدءا من العثور على الجثة المقتولة في زقاق (أبو الرووس)، غير أن حظ رجاء أن قطاعا عريضا من القراء نشأ على (التسلية) كفعل قرائي، وليس بحسب ما يذهب إليه أمبرتو إيكو من أن (النص آلة كسولة يجب أن تستعيد نشاطها بفعل القارئ).
عندما نكتب - والقول لإيكو - نقوم بعدة إحالات ضمنية وتلميحات وبعض الغمز، لكننا عندما نسعى إلى شرح ذلك للآخرين ندرك أن الفهم ليس سهلا.
بعض القراء، يستجدي البساطة، خالطا بين ما هو فن وبين ما هو مسلٍ، أو تنفيسي (صحفي) يستجيب لنزعات استهلاكية بحتة، ويلبي رغبات نقدية لواقع معيش، وقد يغيب عنه تماما أن عملية القراءة على غرار عملية التفكير، مرتبطة بالقدرة على فهم اللغة وقراءتها واستخدامها تلك المجموعة من الكلمات التي تتكون منها النصوص ويتكون منها التفكير، إلى أن تصبح مهمة القارئ حسب جملة ابن الهيثم المأثورة، في إيضاح ما قد تفصح عنه الكتابة من تلميحات وظلال. قد تتقبل بتفهم كبير رفضا وعدم تعاطف مع ما تكتبه رجاء أو غيرها من الفنانين، يصدر من قارئ صحف أو قارئ إلكتروني يتسلى ولا علاقة له بالكتاب وشغف المعرفة.
لكنك قد تبدو حائراً إزاء قارئ يقدم نفسه على أنه كاتب/ فنان، يمارس نفس الرفض! وتحار أكثر حين لا يكتفي بالرفض فقط بل ينزع نحو التشويه والتشويش أيضا!