'مؤتمر علماء الأمة' خرج بجملة من التوصيات المهمة، اعتبرها المجتمعون عصارة ثلاثة أيام من النقاشات والحوارات البناءة والجريئة

استقبلت (دكار) قبل أيام مئات المدعوين من بلاد مختلفة، في اجتماع ضم مجموعة من علماء الأمة الإسلامية. وعكست الوجوه سحنات شعوب وقارات باعدت بينها الجغرافيا، وجمعتها راية الدين الواحد. ناقشوا مكانة العلماء وضرورة اجتماعهم. ودور العلماء في مسيرة الأمة. وواقع المجامع الفقهية، والمأمول منها. ودور العلماء ومساهمتهم في تفعيل نظام التكافل الاجتماعي؛ كالزكاة والوقف للقضاء على الفقر والجهل ومواجهة الأزمة المالية العالمية. والجامعات الشرعية والكليات الدينية وأثرها في الأمة. ودور علماء الأمة في المحافظة على الأمن والاستقرار والمواجهة. ودورهم في تعزيز الفاعلية الحضارية للأمة. ودورهم في نشر قيم التسامح والسلم الحضاري. والعلماء وقضايا الأمة المعاصرة؛ وخصوصا ظاهرتيْ الإسلام فوبيا ـ كراهية الآخرين للإسلام ـ والاستلاب الثقافي.. ما من شك في أن إصلاح حال الأمة يبدأ بإصلاح حال مؤسسة العلماء، وتحسين أدائها، فالعلماء أصحاب الكلمة المهمة في توجيه الأمة، ومكانتهم من القضايا النظرية التي لا تحتاج إلى سرد الأدلة. والمهم أن يكون معلوماً للكل أن وصول العلماء للتأثير المنشود يتطلب سلوكيات معينة، لا بد من توافرها فيهم ـ وفي غيرهم ـ وأهمها التواصل والتعاطف، والبعد عن الغل والحقد. فالعالم مهما كان لا يستطيع العمل وحده، وتعاونه مع إخوانه سيمكنه من التغلب على أي قضية تقف في وجه الأمة. من الأمور المهمة أيضا احترام العلماء بعضهم البعض، وخصوصا في القضايا الخلافية، وعدم التعرض لأصحاب الاجتهادات المبنية على أدلة علمية عملية؛ لأن اجتماع الأمة مرهون بقبول العلماء لاجتهادات أمثالهم، ممن تتوفر لديهم الصفات الأهلية اللازمة. فالعلماء هم القدوة والمثل في الدين والخلق والسلوك والخطاب الراشد المستنير، الذي يجمع ولا يفرق، ويؤلف ولا ينفر. يقول الإمام الذهبي ـ رحمه الله تعالى ـ في كتابه سير أعلام النبلاء 14/40 ـ أحد أهم كتب التراجم ـ وهو يدفع العتاب عن بعض أهل العلم: ولو أنا كلما أخطأ إمام في اجتهاده في آحاد المسائل خطأً مغفوراً له قمنا عليه، وبدعناه وهجرناه، لما سلم معنا لا ابنُ نصر، ولا ابنُ منده ولا مَنْ هو أكبر منهما، والله هادي الخلق إلى الحق وهو أرحم الراحمين، فنعوذ بالله من الهوى والفظاظة.
مؤتمر علماء الأمة خرج بجملة من التوصيات المهمة، اعتبرها المجتمعون عصارة ثلاثة أيام من النقاشات والحوارات البناءة والجريئة. كان من ضمنها التأكيد على قيمتي العزة والوسطية باعتبارهما سمتين مميزتين للأمة الإسلامية حسب نص القرآن الكريم. والتذكير بأن أساس الحكم هو العدل. والدعوة للعمل على حقن دماء المسلمين ومعالجة المحن التي تشهدها بعض بلدان الأمة. ومن أهم التوصيات اللافتة للانتباه؛ دعوة الدول والحكومات والمنظمات وسائر الأفراد والهيئات إلى إيلاء التربية والدعوة عناية قصوى، وذلك من خلال العناية بالعلم الشرعي المؤصل من الكتاب والسنة، وإيلاء اللغة العربية ما تستحق من عناية، وتشجيع التعليم القرآني بأدوات العصر وأساليبه، وحسن الإصغاء إلى الشباب، والانفتاح عليه، والحوار الصريح الهادئ الهادف الشفاف معه، مع الاهتمام بفقه الداعية المعاصر، والاستفادة المثلى من التقنيات المعاصرة لإيصال رسالة الإسلام، إضافة إلى تشجيع الحوار الهادف، ونشر أدب الاختلاف، وفقه الائتلاف اللذين ذكراني بالأبيات الخالدة لأبي تمام؛ الذي اختلف الأدباء في التفضيل بينه وبين المتنبي والبحتري، يقول فيها:
إِن يُكدُ مُطَّرَفُ الإِخاءِ فَإِنَّنا
نَغدو وَنَسري في إِخاءٍ تالِدِ
أَو يَختَلِف ماءُ الوِصالِ فَماؤُنا
عَذبٌ تَحَدَّرَ مِن غَمامٍ واحِدِ
أَو يَفتَرِق نَسَبٌ يُؤَلِّفُ بَينَنـا
أَدَبٌ أَقَمناهُ مُقامَ الوالِـدِ