في المملكة، انتشرت ثقافة السعي للكسب السريع، فأصبح سوق الأسهم هدف الأفراد من موظفين وغيرهم للإثراء، فهل هذا عمل سوي؟ وهل هذا السلوك يحصل في الدول المتقدمة مثل أمريكا أم أنه يحصل فقط في السعودية؟

في عام 2006 م، هوى مؤشر سوق الأسهم السعودي إلى القاع ليخسر أكثر المتداولين أو المستثمرين جل ما ملكوه، خسارة مثلت أرباحاً وثروات خيالية بالتأكيد لفئة قليلة، وقد يكون السبب فيما حصل ضعف كفاءة السوق (Inefficient Market) أو ضعف في حوكمة الشركات في حينه أو قلة المعلومات المتاحة عن أداء الشركات أو تلاعب من بعض المتداولين للتحكم في تحريك السوق باتجاهات معينة لتحقيق مصالحهم، وغيرها من الأسباب التي يمكن أن تلقي بعض الضوء على أسباب ما حصل من خسارة لأعداد كبيرة بدت في حينها وكأن الشعب كله مساهم وخاسر في سوق الأسهم.
ولكن أهم العوامل التي أثرت في نكسة السوق في ذلك الوقت وما زالت تؤثر على تداولات السوق الحالية، هو وجود متداولين أفراد عاديين – يمثلون أكثر من 85% من المتداولين في السوق – وليسوا مؤسسات مالية ولا استثمارية، أفراد لهم وظائفهم الخاصة البعيدة عن مجال التحليل المالي، بعضهم إما معلماً أو إدارياً، وليس منهم متفرغ للعمل في سوق الأسهم كمحلل مالي بوظيفة دوام كامل، وحتى لو حاول، فلن يستطيع وحده وبإمكانات شخصية أن يدير استثماراته واستثمارات غيره بطريقة احترافية، أفراد بمثل هذه السمات الشخصية والتأهيلية نراهم وبشكل يومي يتعاملون مع السوق بشكل مباشر، يقضون يومياً الساعات الطويلة أمام شاشات العرض ومواقع النت، ويستمعون إلى آراء المحللين (غير المرخص لهم – غير الرسميين)، ويحضرون دورات في التحليل المالي، ويحاولون استقراء اتجاهات مؤشر السوق، ويبنون ويتخذون قرارات استثمارية من عمليات البيع-الشراء-الإبقاء لأسهم شركات معينة بناءً على ما يفهمونه من معلومات مستقاة من مصادر غير رسمية أو حتى رسمية، طريقة تفتقد إلى أساسيات العمل الاحترافي والمؤسساتي للتحليل والاستثمار المالي، فهل التداول المباشر من قبل الأفراد سلوك صحيح وعاقل؟ وهل هذا السلوك يحصل في الدول المتقدمة مثل أمريكا أم أنه يحصل فقط في السعودية؟ في المملكة، انتشرت ثقافة السعي للكسب السريع، والرغبة في الإثراء بأبسط وأسرع الطرق، فأصبح سوق الأسهم هدف الأفراد من موظفين وغيرهم للإثراء، فالكل يريد أن يكون تاجراً، والكل يريد أن تنمو ثروته بالملايين وحتى المليارات، فهل هذا عمل سوي؟ وهل هذا السلوك يحصل في الدول المتقدمة مثل أمريكا أم أنه يحصل فقط في السعودية؟
لنفهم ونتعلم التعامل المالي والاستثماري الأمثل والعملي، التعامل الأكثر عائداً والأقل مخاطرة لأي فرد أو عائلة، فيجب علينا أن نعلم ما يحصل في المجتمعات المتقدمة في دول مثل الولايات المتحدة الأمريكية في هذا المجال، ونستعرض الفرق والتباين في ثقافة الاستثمار والادخار المالي والاستهلاكي للأفراد والعائلات بين مجتمعنا وهذه المجتمعات.
في الولايات المتحدة، يقوم الفرد أو العائلة بالتخطيط المالي للتعامل مع الدخل الدوري، فمن خلال البنك الذي يتعامل معه أو من خلال مراكز استثمارية متخصصة ومن خلال إدارة إشرافية واستشارية متخصصة ومحترفة، يتم توزيع الدخل والثروة الحالية بين الاستهلاك والادخار والاستثمار، ويتم إدارة الادخار من قبل البنك أو المركز، وليس الفرد، مقابل ضمانات واتفاقيات تضمن حقوق الطرفين. كما أن ثقافة الكسب السريع والثراء الفاحش تكاد تكون معدومة في المجتمع الأمريكي – ما عدا بين مدمني صالات القمار والكسب غير المشروع.
هذا ما يحصل في المجتمعات المتقدمة، وهذا ما يجب أن يحصل في المملكة، وليس كما هو حاصل الآن في سوق الأسهم، رغم الضربات والخسائر الموجعة للبعض، ورغم المشاكل العائلية التي لحقت بالبعض، فكيف نغير الواقع؟ وكيف يمكن التحول من مجتمع كسول يسعى للكسب السريع – الكاذب- دون جهد وعناء إلى مجتمع منتج، مجتمع مثقف، مجتمع واعٍ؟
لكل المتداولين في سوق الأسهم، ولجميع أفراد وعائلات المجتمع، ولمؤسسة النقد، ولهيئة السوق المالية، وللبنوك، نتقدم بعدد من التوصيات، توصيات لا علاقة لها بشراء سهم أو بيع آخر، ولكنها توصيات تتعلق بكيفية التعامل مع الدخل المالي، توصيات تتعلق بكيفية بناء مستقبل أفضل والتخطيط المالي الأمثل له، وأهم هذه التوصيات:
1. توقف وخروج جميع المتداولين الأفراد من سوق الأسهم، مع إعادة تنظيم شؤونهم المالية والاستثمارية من خلال اللجوء والتعامل مع البنوك والمراكز المتخصصة، والتي عليها واجب أكبر.
2. ضرورة قيام البنوك المحلية بتقديم خدمات أفضل مما تقدمه حالياً من خلال تقديم منتجات تتعامل مع احتياجات الأفراد والعائلات، وأهمها التخطيط المالي.
3. يمكن لهيئة السوق المالية أن تركز في برامجها التوعوية على تنبيه وتحذير المتداولين الأفراد بالمخاطر الموجودة في سوق الأسهم، بدلاً من تركيزها على توعية المتداولين حول الأنظمة وآلية السوق وغيرها من المعلومات، توعية غير مجدية في ظل عدم أهلية وكفاءة نسبة كبيرة من المتعاملين في السوق.
4. قيام هيئة السوق المالية بدراسة حول المواقع والجهات التي تقدم تحليلا ماليا للسوق وتقدم التوصيات، وذلك لوضع أفضل طريقة للتعامل معها لحماية السوق من معلومات مغلوطة أو غير دقيقة.
5. قيام مؤسسة النقد بحث البنوك لدعم عملائها من أفراد وعائلات من خلال تحسين المنتجات المالية وأهمها أدوات التخطيط المالي.
6. قيام الجهات الإعلامية، وخصوصاً القنوات الفضائية، بإعادة النظر في طريقة تغطيتها وتعاطيها مع سوق الأسهم، فحسب الوضع الحالي، تخصص القنوات الفضائية يومياً ساعات طويلة لمناقشة سوق الأسهم، واستضافة المحللين، مدركة بأن هناك شريحة كبيرة من أفراد المجتمع تتابعها، وبالتالي فهي تساعد على استمرار وتنامي ظاهرة سعي الأفراد في الثراء والاستثمار بأنفسهم في سوق الأسهم.
وللحديث بقية...