يبدو أن من يتعلم من درس التاريخ ندرة، والسبب الغفلة عن العبرة، ومنه قال الرب فاعتبروا يا أولي الأبصار. وحين وصف القرآن الأنبياء قال عنهم أولو الأيدي والأبصار.
كم كنت أتمنى على ابن القذافي حين بدأ الحريق أن يقول للناس إنني أعلم عن الأخطاء أكثر منكم وبيتي مفتوح للجميع ونحن أمة واحدة وعلينا أن ننهي الخلاف ونبني الصلاح، ولكن هيهات هيهات لما توعدون..
كم كنت أتمنى أيضا كما كتبت في رسالة مفتوحة أن يتقدم من في سوريا بالاعتذار لأهل حماة وجسر الشغور عن مذابح سابقة لم يكن لهم يد في ارتكابها، لا لم يفعلوا هذا بل فعلوا عكسه وأعادوا نكء الجراح فهل ثمة حماقة أكبر من هذا؟
في الطب نعرف معنى هذا فأي جرح يحتاج حتى يترمم ويندمل ويترك بصمته عددا من الأيام والسنوات، فجرح فروة العنق مثلا يلتئم في خمسة أيام والساقان في 15 يوما عرفها من عرفها وجهلها من جهلها، هذا من ناحية الالتئام أما بصمة الجرح فتبقى في مكانها، ومنها ما يكون قبيحا يأخذ اسم الجدرة الجلدية فيتقبب الجلد ويتورم ومع كل برد وحر تتحرك حساسيتها. والشاهد في البصمة الجراحية وبقاء الندبة أن مكانها لا يزول، وتعتبر منه الشقوق الجراحية ختم الجراح على مكان التداخل فإما كان فظا خشنا أو ناعما أنيقا وفوق كل جراح جراح ويرفع الله الذين أوتوا العلم درجات وفضل الله الرسل بعضهم على بعض تفضيلا.
الحكمة هي الابتعاد ما أمكن عن المثيرات والمحسسات ومثيرات الربو والذكريات القبيحة، في مطلع يونيو شاهدنا من جديد شلالا من الدم في حماة عقبه شلال آخر في جسر الشغور في سوريا، مذكرا موعدا منذرا مرة أخرى بجولة من الدم مروعة.. فلماذا يرتكب الناس مثل هذه الحماقات في إثارة إحن ومحن هم بغنى عنها.. إن الإنسان لظلوم كفار..
في مطلع يونيو من عام 2011م عشنا أحداثا جساما ومذابح مروعة وشلالات من الدم القاني، بنفس الوقت عشنا حراكا اجتماعيا وتطلعات جديدة لحياة كريمة، بنفس الوقت رأينا يد العدالة الأرضية وصلت إلى رقبة المجرم راتوك ميلاديتش جزار مذبحة سبيرنيشكا التي راح ضحيتها سبعة آلاف مسلم بوسني، واعتبرت أفظع مذبحة بعد الحرب العالمية الثانية وحركت المجتمع الدولي إلى إنهاء صراع البلقان بأي صورة، ولكن القبض على هذا المجرم كان بعد ملاحقة مضنية استمرت خمسة عشر عاما فأمسكوا به وهو شيخ واهن، ومما عرفت من سيرة هذا الرجل أن ابنته انتحرت من عار أبيها. وشاهدي من هذه القصة أن هذه الحياة الدنيا فيها من العبر الشيء الكثير، وأن المجرمين على الأقل في قسم منهم يرسو مصيرهم في محاكم الجنايات وتصل لهم يد العدالة ولو بعد حين، وفي قناعتي أن العصر الذي نعيشه هو من هذا النوع ولسوف تصل يد العدالة الأرضية إلى مجرمين كثر في الغابة العربية من الضواري الشرسة ويسألون متى هو قل عسى أن يكون قريبا.