معرفة الأنماط الشخصية للأفراد الذين نتعامل معهم في المجتمع تسهل التكيف، والتواصل معهم، والتعرف عليهم عن قرب، وتسهل عملية التعامل معهم، ووضع كل شخص في مقامه المناسب، ومكانته الصحيحة، وبذلك يمكن تفادي الكثير من المشكلات الاجتماعية

في البداية أود أن أنبه القارئ الكريم أنني لست متخصصا في أي من فروع علم النفس، أو مجالاته التي تركز على دراسة الشخصية، وتصنيفاتها، ولكن من خلال الخبرات التي مرت بنا، ومررنا بها، ومن خلال تعاملنا في مراحل مختلفة من حياتنا مع كثير من الأفراد استطعت التمييز بين أنماط متنوعة من الشخصيات، وكل نوع له مميزات تخصه دون غيره من الأنواع الأخرى، وله إيجابيات، وسلبيات، ومع أن هناك تصنيفات عامة، وشاملة لأنماط الشخصية، ومعروفة لدى المهتمين، والمتخصصين في هذا المجال، إلا أنه يمكن تصنيف هذه الشخصيات إلى عدة أنماط سهلة، وغير معقدة، أو مركبة؛ فهناك شخصيات قوية، وأخرى ضعيفة، وهناك شخصيات إيجابية، وشخصيات سلبية، وشخصيات جادة، وشخصيات غير جادة، وشخصيات مستقرة، أو ثابتة، وشخصيات متذبذبة، وشخصيات متفائلة، وشخصيات متشائمة، وشخصيات اجتماعية، وشخصيات انعزالية، وشخصيات واضحة، وشخصيات غامضة، وشخصيات معقدة، وشخصيات بسيطة، أو سهلة، وشخصيات مرحة، وأخرى غير مرحة، وقد يجتمع في الشخص الواحد أكثر من نمط من أنماط الشخصية السابق ذكرها، وقد يكون ذلك لفترة محدودة، أو نتيجة لعوامل، أو ظروف معينة، وتزول بزوال المسببات الرئيسة التي أدت إلى حدوثها، وقد تستمر هذه الأنماط مع الفرد طوال حياته، وهذا يتطلب منا أن نتعامل مع كل نمط بالأسلوب الذي يتناسب معها.
والأمثلة على أنماط هذه الشخصيات في مجتمعنا عديدة، ومتنوعة، ونشاهدها كل يوم، ونتعامل معها في جميع الأوقات، وسيقتصر الحديث هنا على أنواع محددة، وهي الأكثر شيوعا في المجتمع؛ فالشخصية الجادة قد تتحول نتيجة لظروف معينة إلى النمط غير الجاد، وقد يترتب على هذا التحول تغير واضح في أسلوب، وسلوكيات الفرد، وقد تطرأ تحولات جوهرية على شخصيته، فقد نجد أنه بعد الجد والاجتهاد يتحول إلى شخص غير مبال، وغير جاد، وغير ناجح، ويحاول أن يغطي فشله بسلوكيات مختلفة مثل المراوغة، بل قد يكذب، ويصدق كذبته، ويستمر في الكذب لفترة طويلة، ويعتقد أن الآخرين لن يكتشفوا كذبته حتى ولو بعد حين، وهذه الشخصية عندما تفشل، أو لا تحقق أهدافها، تصر على أنها ناجحة، ولا تعترف بالفشل، وتكابر، وتكذب على نفسها، وعلى من حولها؛ فعندما يحاول أي شخص مواصلة تعليمه في الدراسات العليا، والحصول على أعلى الشهادات، ولكنه لم يتمكن من إكمال دراسته، والحصول على درجة الدكتوراه – على سبيل المثال - لأي سبب كان، فقد يدعي حصوله على هذه الدرجة من خلال إبلاغ من حوله بأنه : الدكتور ... ، ويستمر في ذلك لفترة من الزمن، ويعتقد أن من حوله لا يدركون هذه التصرفات غير السوية، ويظل متعلقا بهذا اللقب العلمي الذي لا يملكه، ولا يستحقه، وهذا النمط من الشخصية يحتاج إلى أن يتم التعامل معه بنوع من التحفظ، وأن يتم الاستماع له أكثر من التحدث إليه؛ لأنه لا يصدق كلام الآخرين في أكثر الأوقات، و يبدي دائماً اعتراضه على كل ما يقال.
أما النوع الآخر من أنماط الشخصية التي أود الحديث عنها فهي الشخصية المتذبذبة، أو غير المستقرة، وقد تكون في البداية من النمط المستقر، وهذا الاستقرار في الشخصية قد يكون ثابتا، ولكن لظروف معينة تتحول إلى النمط المتذبذب، أو غير المستقر، وقد يكون هذا الاستقرار مؤقتا حتى تزول العوامل، أو المسببات التي أدت إلى حدوثه، وهذا النوع من الشخصيات يتوقع منها أي تصرف، فهي غير ثابتة على مبدأ معين، فنجدها اليوم ضد مشروع، أو فكرة معينة، ومناهضة لها، وتنتقد تصرفات الآخرين بشدة عندما يقومون بأي عمل، أو تصرف لا تقره، أو لا تتقبله، أو توافق عليه ولكنها في اليوم التالي، أو بعد زمن غير طويل تتقبل الموضوع، أو الفكرة التي كان لا تتقبلها، وترفضها، وتصبح من المنادين بها، والمقبلين عليها، مثل رفض بعض الأشخاص لقيادة المرأة للسيارة في الماضي، وبعد ذلك نجد أن آراءهم تغيرت حيال ذلك، بل ينادون بإتاحة الفرصة للمرأة لقيادة السيارة، وقد يكون ذلك بدون شروط، أو قيود، أو رفضهم لخدمة الإنترنت في المنزل، وبعد فترة من الزمن، يتم الحصول على الإنترنت، وجعلها متوافرة في كل غرفة بالمنزل بدون رقيب، أو حسيب، والأمثلة عديدة في هذا المجال، ولا بد من اختيار الطريقة المناسبة للتعامل مع هذا النوع من الشخصيات؛ لأنها تفتقر للثقة بالنفس، ويظهر عليها التردد في كثير من المواقف الحياتية، وهنا أرى الابتعاد عن مناقشتها، وعدم مجادلتها؛ لأن مناقشتها - في الغالب - لا تكون مجدية، ولا يوجد لديها تصور واضح، أو توجه محدد نحو القضية، أو الموضوع؛ فكل يوم لديها أفكار، وآراء جديدة، ومختلفة حول الموضوع نفسه مما يؤدي إلى تغيير مواقفها بسهولة، وفي وقت قصير، وقد تصادر آراء الآخرين، ولا تحترمها.
ومعرفة الأنماط الشخصية للأفراد الذين نتعامل معهم في المجتمع تسهل التكيف، والتواصل معهم، والتعرف عليهم عن قرب، وتسهل عملية التعامل معهم، ووضع كل شخص في مقامه المناسب، ومكانته الصحيحة، وبذلك يمكن تفادي الكثير من المشكلات الاجتماعية التي قد تنتج عن عدم فهم هذه الشخصيات بالشكل الصحيح.