مبدأ مشاركة القطاع الخاص في البنية التحتية مطلب ضروري ومُلحّ لأجل الدفع بعجلة التنمية بأسرع وقت ممكن وبجودة عالية، حيث من المتطلبات اللازمة على المستثمر من القطاع الخاص غالبا؛ أن يقوم بالعمل وفقاً لمواصفات ومعايير مُلزمة له
قرأنا في الصحف خبراً عن تأخّر سكة القطارات شرق - غرب المملكة، مما أدى إلى تغير سعر التكلفة للقطار نظرا لتغير الأسعار وارتفاع نسب التضخم بعد التأخير في البدء بالتنفيذ، مما قد يؤدي إلى مزيد من تأخر المشروع نظرا للحاجة إلى إعادة طلب الموافقات الرسمية على تلك الزيادة.
الحقيقة أن كثيرا من الدول في العالم، ومنها بعض الدول الغنية كبريطانيا وأستراليا وغيرهما، تقوم بتسليم الكثير من مشاريع البنية التحتية -مثل شبكات القطارات والطرق والأنفاق- إلى القطاع الخاص ليقوم بذلك على أن يكون له الحق في استثمار ذلك المرفق مدة معينة متفقا عليها، وهذا النوع من التعاقد هو ما يسمى بعقود البوت (BOT) بمعنى البناء ثم التشغيل ثم التحويل للملكية. هذه الطريقة من التعاقد توفّر للمواطنين جودة الخدمة المقدمة وسرعة تطبيقها، الأمر الذي قد يأخذ سنوات طويلة فيما لو قامت به الدولة مباشرة، كما إن له ميزة كبيرة في توفير ميزانية الدولة وتركيزها على الأمور الأكثر إلحاحاً.
مجلس الشورى في شهر صفر 1430هـ رفض تمليك القطاع الخاص لمثل هذه المشاريع، ولا أدرى عن تفاصيل ذلك المشروع المرفوض ولا عن أسباب الرفض؛ إلا أن مبدأ مشاركة القطاع الخاص في البنية التحتية مطلب ضروري ومُلحّ لأجل الدفع بعجلة التنمية بأسرع وقت ممكن وبجودة عالية، حيث من المتطلبات اللازمة على المطور/المستثمر من القطاع الخاص غالبا؛ أن يقوم بالعمل وفقاً لمواصفات ومعايير مُلزمة له، بالإضافة إلى أنه يُشترط عليه أن يتم تسليم المشروع على أفضل حال من حيث الجودة والصلاحية بعد انتهاء مدة استثماره، كما أن على الجهة الحكومية المشرفة أن تضع حدا أعلى لتكلفة الخدمات على المواطن، وألا تتركها للمستثمر بشكل لا يضر المواطن ولا المستثمر في نفس الوقت، ثم بانتهاء الفترة المتفق عليها -وهي غالبا بين عشر إلى ثلاثين سنة حسب الاتفاق- يقوم المستثمر بتسليم المشروع للجهة الحكومية المشرفة.
يُشار إلى أن من أشهر المشاريع التي بُنيت بناء على هذا النوع من العقود؛ مشروع قناة السويس -تقريبا- وبنما، ونفق القطار تحت البحر والممتد بين المملكة المتحدة والشطر الثاني من أوروبا، كما أن هنالك عدة مشاريع في المملكة بناء على هذا النوع من العقود، إلا أنه لم يتم التوسع فيها، وليس هناك ما يوحّد سياسة الدولة واحتياطاتها في تطبيق هذا العقد، حيث إنه يتم الحصول على الموافقة الملكية الخاصة بكل مشروع على حدة، دون وجود نظام جامع يمكن من خلاله تسهيل عملية إنهاء إجراءات المشروع وتوحيد سياسة الدولة، بالإضافة إلى تسريع عملية إقرار العقود.
يُذكر أنه صدر في الكويت عام 2008 قانون خاص بهذا النوع من العقود، وتم تحديد سياسة الدولة من خلاله في اثنتين وعشرين مادة. ومن المواد الإيجابية في هذا القانون، والتي تساهم في حفظ سيادة الدولة وحقوق مواطنيها؛ المادة الخامسة من النظام الكويتي، والتي تنص على أنه في حال زيادة تكلفة المشروع عن ستين مليون دينار كويتي، فإن المشروع يجب أن يتم من خلال تأسيس شركة مساهمة عامة للمشروع، وأن يُقسَّم كالتالي: 40% من المشروع تُطرح في مزايدة عامة على الشركات الكويتية بعد موافقة اللجنة المختصة على دخول كل شركة من تلك الشركات في المزايدة؛ 10% تكون مطروحة لصاحب المبادرة في المشروع في حال توفّر مقدرته ورغبته، مع تمييزه بتخفيض 50% مما يُطرح على بقية الشركات الأخرى التي تدخل في الأربعين السابقة؛ والبقية وهي 50% من رأس مال الشركة المؤسسة للمشروع، فتُطرح من خلال مساهمة عامة للمُكتتبين الأفراد.
لا أريد إطالة الحديث عن النظام الكويتي؛ إلا أن المقصود هو هذا الفراغ القانوني في هذا الباب، الذي نحن في أمس الحاجة إليه، لأجل بناء بنية تحتية قوية للبلد وبشكل سريع وفعّال، وإن كان مما لا يُنكر أن البلد يمر ولله الحمد في مرحلة تشييد للبنية التحتية بما لم يشهده من قبل.
أرجع إلى عنوان المقال، وهو شبكة القطارات التي طالما انتظرناها، وهي بلا شك من أهم أساسات البنية التحتية لكل بلد، بالإضافة إلى بناء الطرق الآمنة والفسيحة، وبناء المطارات والجامعات والموانئ وغير ذلك. وربما يُلحق بالقطارات شبكات المترو أو الترامز التي تكون داخل المدن، والتي تُوفر الكثير من الوقت والمال والجهد على المواطنين في التنقل، خاصة أوقات الزحام وفي الأماكن المزدحمة.
كل هذه المشاريع؛ بالإمكان بناؤها في أسرع وقت ممكن، وبجودة ومواصفات عالية، في حال التوسع في مشاريع البناء والتشغيل وتحويل الملكية، من خلال إشراك القطاع الخاص، مع توفير إطار قانوني قوي ترتكز عليه. آمل أن ننعم بمزيد من الازدهار والتقدم والرخاء.