العراق يؤكد قدرته على ضبط الأمن وجيرانه قلقون من اضطرابه
قلل السفير العراقي في السعودية، الدكتور غانم الجميلي، من القلق الذي ينتاب البعض جراء قرار القوات الأمريكية الانسحاب من العراق، قائلا إنه لا خوف من انسحاب القوات الأمريكية من العراق، خاصة على المستوى الأمني، حيث تتولى قوى الأمن العراقية مسؤولية الأمن منذ أكثر من عامين، نجحت خلالها في ضبط الأمن. وفي تصريح خاص إلى الوطن، شدد الجميلي على أن حرس الحدود العراقي يتعاون مع نظيره السعودي، لضبط التسلل، مؤكدا أن ردود فعل إيجابية تصدر عن القيادات السعودية، حول نتائج هذا التعاون، مبينا أن حالات التسلل التي تحصل، لا يمكن اعتبار أنها ظاهرة، بل هي حالات فردية فقط.
بلدٌ مستقل
وبمناسبة انتهاء المهام القتالية للجيش الأمريكي، يوم الثلاثاء الماضي، وتخفيض عدد قواته إلى ما دون 50 ألف جندي في العراق، تقوم بدور التدريب وتقديم المشورة، حتى الانسحاب الكامل عام 2011، قال رئيس الوزراء العراقي المنتهية ولايته، نوري المالكي، إن القوات الأمنية العراقية قادرة على تحمل المسؤولية، معتبرا أن العراق وشعبه تمكنا من طي صفحة الحرب الطائفية، التي لن تعود، ولن نسمح بها، ليعيش العراقيون في بلد سيد مستقل. المالكي انتقد المشككين في قدرة القوى الأمنية الوطنية على الحفاظ على الأمن، قائلا نواجه حملات تشكيك ظالمة تغض الطرف عن الإرهاب، والأغرب من كل ذلك، يتحدثون عن الانهيار الأمني، لكنهم لم يتحدثوا يوما عنه عندما كانت الحواجز الوهمية تقتل الأبرياء، وكانت القاعدة تفرض سيطرتها على مدن، مضيفا إننا على يقين من أن وراء الحملة أهدافا لا علاقة لها بالانسحاب متابعا ما يفضح المدعين، الإحصائيات، ففي الشهر الأول من عام 2007، قتل الإرهابيون أكثر من أربعة آلاف في بغداد وحدها، في حين سقط من الجيش الأمريكي الرقم ذاته في سبع سنوات! إنها مفارقة خطيرة، تكشف زيف الشعارات الشريرة حسب وصفه.
دعوة للوحدة
المالكي، استغل المناسبة في توجيه رسالة إلى مكونات الشعب العراقي، سواء الأحزاب، أو العشائر، قائلا في هذه المناسبة، ندعو القوى والأحزاب الوطنية، إلى توحيد الصفوف، واستكمال مؤسسات الدولة، لأن نجاحنا ضد الإرهاب مرهون بوحدتنا الوطنية، معتبرا أن هذا الانسحاب لم يتم، لولا تضحيات جميع المكونات، ومن ساندهم من أبناء العشائر الغيارى، والقوى الوطنية المخلصة، كما أننا لا ننظر إلى تنفيذ الانسحاب على أنه إنجاز لشخص أو حزب أو قومية، بل هو لكل العراقيين. واجداً في ذلك فرصة ذهبية لتعزيز الوحدة الوطنية، ونقطة انطلاق لبناء العراق، بعد عقود الدمار، والمعاناة والتهميش، والتمييز والإقصاء.
نقطة تحول
الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003، كان نقطة تحول في التاريخ العراقي والعربي مع سقوط بغداد، تولدت عنها توترات إقليمية كان محورها إيران من جانب، وقوى عربية من جانب آخر، فيما قوى عربية أخرى، راحت تحاول أن تقدم تصورا يقوم على الحفاظ على عروبة العراق، وحمايته من التفكيك، وعدم السماح للقوى الإقليمية بالتدخل في شؤونه السيادية، فيما كان هنالك تأكيد من جانب هذه الدول، على أهمية تحمل أمريكا مسؤولياتها الأخلاقية كدولة كبرى، قامت بعملية احتلال في مواجهة تبعات سلوكها هذا.
قرار التسليم
الولايات المتحدة، وتحت ضغط اقتصادي خانق، وتغير في السياسة الخارجية والأولويات، بعد تولي الرئيس باراك أوباما مقاليد الحكم في البيت الأبيض، بات في مقدم أهدافها، تسليم المسؤوليات الأمنية والعسكرية، لأجهزة الأمن العراقية، التي تتشكك تقارير أمنية في قدرتها على السيطرة على الوضع الأمني في البلاد، مع تنامي الصراعات السياسيــة والطائفيـــة، والعمليـــات الإرهابيــة لتنظيم القاعدة، الذي ما يزال قادرا على تنفيذ ضربات موجعة، رغم أن جزءا من أدائه تراجع في مرحلة من المراحل، إلا أنه يعود ليطل برأسه مجددا.
ويبلغ عدد الجنود الأمريكيين 49700 حاليا، وهو أقل من ثلث عديد القوات إبان ذروة الانتشار، التي شملت 170 ألفا، تطبيقا للاستراتيجية الأمنية الأمريكية عام 2007، إثر موجة العنف الطائفي التي ضربت العراق. وكان الرئيس أوباما أعلن بعد فترة وجيزة من تسلمه منصبه، بأنه سينهي العمليات القتالية في العراق، في 31 أغسطس 2010، وبعدها يتحول دور القوات الأمريكية إلى تقديم المشورة، حتى الانسحاب الكامل نهاية عام 2011.
انسحاب وتموضع
عملية الانسحاب الأمريكي التي بدأ تنفيذ خطواتها مرحليا، والتي ستقلص الوجود الأمريكي إلى نحو 50 ألف جندي، في معسكرات منتشرة في مختلف مناطق العراق، تمت دون تنسيق تام مع الحكومة في بغداد كما يرى عدد من المراقبين، ويمكن الربط بين عملية الانسحاب مع إعادة تنظيم التشكيلات العسكرية الأمريكية في المنطقة. حيث يجري العمل في البحرين على مشروع توسعة لقاعدة قيادة الأسطول الأمريكي الخامس، بتكلفة تتخطى 600 مليون دولار، وتشرف على المشروع قيادة الهندسة في البحرية الأمريكية، التي تتخذ من مدينة نابولي مقرا لها، إضافة إلى إدخال تعديلات في القطاعات البحرية الأمريكية، للتعامل مع القطع البحرية الصغيرة التي تستعملها القوات البحرية الإيرانية، ووصول فرقاطات متخصصة في مواجهة الغواصات. أما في الكويت، فقد تم نشر بطاريات صواريخ جديدة إضافية من نوع باتريوت، مضادة للصواريخ، تتجاوز قيمتها الملياري دولار. فيما تمت إعادة تنظيم الوجود العسكري للقطاعات المقاتلة في الكويت، وتعزيز تواجدها، وتحديدا فرق المارينز، والقوات الخاصة.
قلق عربي
من الواضح أن القلق العربي عموما، والسعودي خصوصا، يتركز على مستقبل العراق من جانب، والخوف من الدخول الإيراني للاستفادة من الفراغ الذي تسبب به تعطل العملية السياسية، وتأخر إنجاز حكومة جديدة، بعد الانتخابات النيابية الأخيرة. ولا يمكن هنا تناسي تصريحات سابقة للرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، قال فيها إن القوة السياسية للمحتلين يجري تدميرها على وجه السرعة، وقريبا جدا سنشهد فراغا كبيرا في القوة في المنطقة، نحن مستعدون بمساعدة الأصدقاء في المنطقة والشعب العراقي لملء هذا الفراغ، وهي التصريحات التي قرأ فيها البعض رغبة إيرانية واضحة في بسط نفوذ أكبر على الساحة العراقية.
ثغرات أمنية
الباحث المختص في الشؤون الأمنية عبد الله العريفج، حذر من وجود عدد من الثغرات الأمنية، معتبرا تدمير أمريكا لبنية الجيش العراقي، بعد احتلالها للعراق، كان من الأخطاء الفادحة، فهي فشلت في إعادة بناء هذه المؤسسات، فقوات حرس الحدود اليوم ضعيفة، وغير قادرة على السيطرة على الجانب العراقي من الحدود، مؤكدا من جانب آخر أن أجهزة الأمن السعودية قادرة على مواجهة التحديات الأمنية على الحدود بسبب قدرتها وخبرتها، وإمكانياتها التقنية والبشرية، والتي نجحت بشهادة العالم في القضاء على تنظيم القاعدة، ليس داخل السعودية فقط، بل وصلت إلى تعطيل وإفشال عملياته في الخارج، من خلال تعاونها الأمني مع مختلف دول العالم.
مساعدة الجيران
الوضع العراقي الحالي، وخصوصا بعد قرار الانسحاب الأمريكي، هو برأي مقرر اللجنة الاستشارية السابق في وزارة الداخلية السعودية، الشيخ محمد بن يعيش، وضع يحتاج إلى مساعدة دول الجوار، معتبرا أن الشعب العراقي الذي شاهد صنوف المعاناة، من الطائفية والاحتلال، وغياب الديموقراطية، ومحاولة تدمير حضارته، وتركيعه من قوى عالمية وإقليمية مختلفة، يحتاج الآن إلى المساعدة، خاصة من دول الجوار، لتجاوز أزمته التي استمرت عقودا طويلة.