الذي أؤمن به أن القوة بالحراك بالنمو بالتطور باتخاذ موقف نحو قضية ما

الذي أؤمن به أن القوة بالحراك بالنمو بالتطور باتخاذ موقف نحو قضية ما، وأقل الإيمان إن لم يكن بالدفاع عنها أن يقوم الفرد بمهام التوعية بدءاً من محيطه القريب ومن ثم التحرك التدريجي إلى الدوائر التالية كلٌّ في وقتها حسب الاحتياج والفرص المتاحة، ولكن أبداً.. أبداً يجب ألا نعتبر صمتنا موقفا، لا نبرر ولا نشارك وبذلك نضيف لعلميات التشويش بسلبيتنا أكثر من حماية أنفسنا من تبعات أي شيء نقوله أو نفعله، فهكذا موقف برأيي ليس سوى ضعف واستكانة وتراجع! هنا يأتي دور الوازع الديني والحس الوطني والضمير الإنساني، كيف؟ أن نفتح المجال للفكر والآراء الأخرى، أن نصغي بحذر لما يقال، أن نحلل ما يُقدم، أن نحاور، أن نتشاور، وبعد التحليل والمراجعة نعود لذاك الذي كرمنا به رب العزة..العقل أو كما يسميه البعض القلب، نعم القلب لأن أجراس القلوب أحيانا بقوة أجراس العقول، حينها وحينها فقط يمكن للصمت أن يكون موقفا، أي في حالة الموافقة، وعليه قد لا يصدر حكم معين، لكن تتصدر حياتنا أفعال تدعم هذا التقبل أو هذه الموافقة.
لست ضد الصمت، فنحن قد كبرنا وتربينا على قيمة الصمت من خلال الأقوال والأمثال الشعبية، ومن منا لا يعرف مقولة: إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب؟ نعم نحن بحاجة إلى لحظات أو أوقات الصمت من أجل الاتصال مع دواخلنا، من أجل الإصغاء، من أجل مراجعة النفس، من أجل التركيز وملاحقة الأفكار داخل عقولنا، نعم هنالك من يبتعد عن التفكير لأنه بذلك قد يصل إلى نتائج غير مرغوب فيها أو عكس التوقعات، وبذلك يرهق نفسيته بالاعتراف بالواقع، وحينها يُجبرعلى الأقل إن لم يكن أخلاقيا فإنسانيا، أن يخرج عن الصمت، ولكنه يتغاضى عن ذلك كله ويستمر على موقفه، وهذا يتعبه، ولكن حينها يصبح الصمت لهذه النوعية من البشر ماذا؟ مجرد راحة لا موقفا!
إن التمسك بالصمت في مواجهة الخطأ هو الخطأ بعينه، والصمت في مواجهة الظلم جريمة، لنكن ضمن مجاميع التضامن والبناء والإصلاح والمراجعة والمحاسبة، بادئين بأنفسنا قبل كل شيء، تقول هلين كيلر: إنه شيء رائع حين نرى ذاك الكم الهائل من الوقت الذي يقضيه الناس الطيبون في محاربة الشيطان، لو أنهم يقدمون نفس المساحات من الوقت والمجهود من طاقات المحبة نحو إخوتهم في الإنسانية، حينها سوف تتجمد خطوات الشيطان، هذا إن لم يمت من الملل. الغريب حقاً أننا نرى ما يُهيئ لنا أحيانا، شياطين الغير، ونتكاسل أن نلتفت خلفنا لنرى شياطيننا، فنهاجم وبشراسة، دون التحقق أو المراجعة أو حتى إعطاء الفرصة للآخر كي يشرح، في حالة إن كان الموضوع عاما، لأنه بالأساس المفروض ألا نقترب من خصوصيات الآخر، قلت المفروض، لأن الذي يجري أن الأمور اختلطت علينا وأصبحنا نحشر أنفسنا في كل شيء، أو...نصمت، أي ليس لدينا حل وسط! ماذا نخسر إن نحن اتخذنا موقفا مّا, وعملنا على تفعيله من خلال السبل المشروعة والمحترمة التي لا تتعدى على الآخرين ولكن تعمل على الارتقاء بهم؟ إن الشجاعة هي المواجهة حيث ينتصر من خلالها الفرد على الخوف، قد نكون على صواب وقد نكون على خطأ ولكنه يظل حراكا، موقفا، حياة، لا انصياعا، خوفا وتجمدا، بالاستعداد على الإصغاء والحوار ومراجعة النفس والموقف وتصحيح المسار، كلا إنه ليس تراجعا وخذلانا بل قمة المدنية والتحضر، فالناس تتشابه في الاحتياجات الأساسية مثل الحاجة إلى الأكل والشرب والأمان والتقبل من الغير..إلخ، وتختلف وقد يكون الاختلاف ضئيلا ولكنه يحدث فارقا كبيرا من حيث تأثيره ما إذا كان إيجابيا أم سلبيا، وهنا أتحدث عن تبني موقف ما، فإن أردنا أن نعيش بنزاهة وبرضا واحترام للذات، فيجب أن نعمل على أن نترك أثراً ما، إحداث فرق مّا سواء في أسرنا، مجتمعاتنا، أو في أوطاننا، هل يهم أن يعرف الغير عن إنجازاتنا؟ ..لا أعتقد، يكفي أن نعرف نحن، فالشجاعة هي أن نواجه أنفسنا قبل غيرنا في الخطأ، في الحقيقة، ولا نتردد عن القيام بما نؤمن بأنه المسار الصحيح أو الحق، سواء كُرمنا أم لا، نعم التكريم أو الاعتراف بالمجهود يريح النفس ويعطيها الدافع لتستمر، ولكن ماذا لو أنه لم يُلاحظ؟ هل نتوقف؟! بالطبع لا، فإننا إن كنا ننشد الشهرة فإننا ننشد فقاعات من الهواء سرعان ما تنتهي، وإن كنا ننشد العمل والتأثير والتغيير، فلنرجع للمصدر المباشر...
الحياة..، سنجد ضالتنا بالتأكيد.
في النهاية أكرر أنه لا يمكن أن نتغير إلا من خلال الحراك، التعاطف مع قضايا الغير قبل قضايانا، أن نتعلم كيفية إعمال العقل لا أن نكون مجرد انعكاسات لعقول الغير، أن نراجع، ندقق، نرحم، نفهم، نتقبل، نشارك، نشجع، والأهم أن نحب بعضنا البعض، فحين نحب لا نقف صامتين، إلا إذا كان الصمت بحد ذاته تعبيراً عن رضا، قد لا ينسب للساكت قول، لكن السكوت في معرض الحاجة بيان، وعليه: لا أعرف عنكم، ولكن بالنسبة لي على الأقل، وفي هذه الحالة فقط، أستطيع أن أجيب: بأن الصمت موقف.