إذا تكوّن الفكر في رحم التعصب، كان جنيناً مشوهاً. ربما كان بحجم كلمة ولكن أنيابه تستطيل سيوفاً وقنابل. فويل لأوطان يستبيح التطرف عقول أبنائها، فتعمى الأبصار وتفنى القلوب، وتتحول ميادينها وشوارعها ودور عبادتها

إذا تكوّن الفكر في رحم التعصب، كان جنيناً مشوهاً. ربما كان بحجم كلمة ولكن أنيابه تستطيل سيوفاً وقنابل. فويل لأوطان يستبيح التطرف عقول أبنائها، فتعمى الأبصار وتفنى القلوب، وتتحول ميادينها وشوارعها ودور عبادتها إلى مجرد ساحات للتنطع والتبجح والتناحر والتقاتل!.
هذه الحالة التي يقشعر لها البدن، تكاد تضرب وطناً بحجم مصر الآن...، مصر التي كانت تفاخر بأنها بلد الأمن والأمان، تتحول رويداً رويداً إلى ساحات يصارع فيها الثورُ الثورَ، ولا فارس.. حتى من بني خيبان!.
فتنة طائفية تنضج على نار هادئة حتى إذا آتت أكلها فلن يستطيع أحد إخماد جهنمها أبداً!. وكيف تُخمد ووقودها المساجد والكنائس وعقول كعقول الأنعام؟!.
أهكذا تصنع ثورة وطناً وتعيد ترتيب الحياة؟!. هكذا يتساءل الذين رأوا خيراً في الثورة المصرية، وأن مصر مقدمة على عصر من عصور الحرية والرفاهية والرخاء!. أهكذا في لحظة تعصب فكري وديني أعمى تتبخر حضارة سبعة آلاف عام ويتحول المشهد الذي بهر العالم كله إلى نذير شؤم وكابوس كل أبطاله من مصاصي الدماء؟!. هكذا يتساءل الذين أخذتهم الدهشة مما يحدث على أرض الواقع!.
على بركان هي مصر...، أكاد أراه وأنا على شاطئ الغردقة انتظاراً للباخرة التي أخلفت موعدها ليتحول باستهتار غير مسبوق إلى أجل غير مسمى!. ثمة أيادٍ خفية مسلمة ومسيحية على حد سواء تحاول أن تفجر هذا البركان ليغرق الوطن الآمن في بحار من دماء بنيه، وساعتها لن ينفع الندم، وسيتسع الخرق على الراقع - حتى لو كان الجيش المصري – وستعود مصر إلى عصور التخلف والفقر والجهل، ولا مستفيد سوى أعداء العروبة كلها، أولئك الذين يبنون حضاراتهم على أشلاء حضاراتنا، ويحققون الرفاهية ورغد العيش لشعوبهم بإفقار شعوبنا وسلب مقدراتنا وخيراتنا، ويسعون جاهدين في صناعة الأسلحة، إما ليقتلونا بها، أو ليبيعونا إياها ليقتل بعضنا بعضاً!.
مصر في حاجة ماسة هذه الأيام إلى تكاتف عربي يعيد لها هيبتها، وفي حاجة أمس للشرفاء من أبنائها أن يضعوا حداً لهذا الانفلات الفكري والطائفي الكفيل بزعزعة أمن واستقرار الوطن العربي كله لا مصر وحدها، فمصر هي قلب العروبة النابض، وإذا توقف هذا القلب تأثر الجسد العربي كله!.
وإلى أن تتعافى مصر مما أصابها، لا بد أن تنتبه البلاد العربية الأخرى إلى هذا المرض الذي كلما ظننا أننا شفينا منه، عاد كالسرطان المدمر، إنه مرض التعصب الفكري والديني والمذهبي، ذلك المرض الذي يبدأ بحجم كلمة ثم تستطيل أنيابه سيوفاً وقنابل!.
و... معذرة للتيهاني، إذ كان يفترض في هذه الفضفضة أن تستكمل ما تراه في لابة غسان لولا أن الحدث لا يمكن تجاوزه!.
anshasi@alwatan.com.sa