علينا أن نبدأ من حيث انتهى الآخرون، وأن نتفهم طبيعة هذا الآخر، ونفهّمه طبيعتنا بشكل حضاري يتناسب ومعطياتنا الدينية والوطنية، فالعلاقة بينا وبين الآخر لا بد أن تكون قائمة على الاحترام، لا الذوبان

الحذر واجب في تعامل الآخرين معنا وفي تعاملنا معهم، فمن المنطق دراسة الآخر من كافة النواحي أفكاره عاداته النظام السياسي والاجتماعي لعالمه وحتى معتقداته، لئلا نقع دون قصد منا في تصرف يفسر من قبله بشكل سلبي، فمن الواجب علينا احترام الآخرين فيما لا يتعارض مع تعاليم ديننا الإسلامي، فالتعارف بين الشعوب أمر مقرر شرعا، وهو لن يتحقق بانعزالنا التام وبتطاولنا على غيرنا، بل إن توطيد العلاقات بيننا وبين الآخرين يعود بالخير على مجتمعاتنا خاصة في هذا الزمان فنحن مع الأسف نعد من الدول النامية، ولنعود كما كنا في عصر الحضارة الإسلامية علينا أن نبدأ من حيث انتهى الآخرون، وأن نتفهم طبيعة هذا الآخر، ونفهِّمه طبيعتنا بشكل حضاري يتناسب ومعطياتنا الدينية والوطنية، فالعلاقة بيننا والآخر لا بد أن تكون قائمة على الاحترام، لا الذوبان.
ومن خلال تكليفي السابق كمستشارة في مجلس الشورى بادرت وعلى الفور بالاتصال بالمعهد الدبلوماسي التابع لوزارة الخارجية أطلب العون والتوجيه بالكيفية التي يجب التعامل معها أثناء مقابلة أي وفد نسائي أكلف باستقباله، وهنا بادروا وبكل أريحية بإرسال كتاب يظهر أصول التعامل الدبلوماسي مع الوفود الرسمية، الذي وجدته مفيدا للغاية، ثم عرجت إلى (الموسوعة العربية العالمية) الموسوعة التي أعتز بامتلاك نسخة منها وبتواجدها في مكتبتي، إذ من خلالها أفهم دول العالم وأقف على تقاليدها وعاداتها وسياساتها بل تاريخها القديم والحديث، بل لم أكن لأقابل أي وفد نسائي زائر للبلاد دون دراسة تقاليد وطنه وعاداته ومعتقداته ونظامه السياسي والاقتصادي، وبالتالي أجد نفسي ملمة بكل الدقائق التي تساعدني في حواري معه بل تجعل الكفة تميل لجهة بلادي، وهذا هو ما يجب أن يقوم به الآخرون تجاهنا، فعليهم عند التعامل معنا أن يبادروا بدراسة ديننا وتقاليدنا وعاداتنا ونظامنا السياسي والاقتصادي، فإذا كنا نفهم رفضهم لأي تصرف جاهل قد يصدر من أحدنا يسيء لموروثهم الوطني والثقافي، عليهم أيضا أن يتفهموا عدم قبولنا لأي إساءة لمعطياتنا الدينية ولموروثنا الثقافي، ولنظامنا السياسي والاقتصادي.
ولذا أعتب على البروفيسور الأمريكي الذي جاءنا مؤخرا ليحاضر في إحدى الجامعات السعودية عن: (تأثير التغيير المناخي على الحيوانات الصحراوية في المملكة) فبسبب جهله بالتقاليد والعادات الوطنية للبلد المضياف عمد إلى عرض صورة مست أغلب الحضور من أساتذة وطلاب، فالصورة كانت لكلب يرتدي شماغا وعقالا، في إشارة منه إلى تأثير المناخ المحلي للمملكة العربية السعودية على الكلاب، وقد تكون نوايا هذا الأستاذ طيبة أراد من خلال عرضه إضفاء جو من الفكاهة على المحاضرة إلا أنه تسبب في إغضاب الحضور وفي إغضاب غيرهم، ممن سمع بما حدث.
وأتساءل.. هل كان لينقلب الجو العام للمحاضرة فيغادر بعضهم ويحتج الآخر لو تدارك الدكتور الأمر قبل عرض هذه الصورة بدراسة عاداتنا وتقاليدنا، وهل كان سيعرض الصورة لو أدرك أن هذا الزي جزء مهم من زينا الوطني، بل هو الزي الرسمي الذي يستلزم على موظفي الدولة ارتداؤه يوميا، ثم لو درسنا ودرس عاداتنا كما يجب وامتنع عن عرض هذا الصورة، هل كان سيطلب منه إنهاء المحاضرة، لو احترم الزي الذي يرتديه ممثلو البلاد ذو المراتب العليا أثناء تمثيلهم لبلادنا، لو أنه عرف أن هذا الزي يرتديه شبابنا في أحلى أيامهم في الاحتفال بتخرجهم في زفافهم، وأنه يمثل بالنسبة لنا جزءا من التراث العزيز علينا، لا أعتقد أنه كان سيفعل ما فعل.
وقد صرح المشرف على كرسي بحث الأمير سلطان للبيئة رئيس مجلس إدارة جمعية علوم الحياة الدكتور إبراهيم عارف بأنه :( تم إيقاف البروفيسور ومنعه من إكمال محاضرته وطلب منه الاعتذار، وفعل ذلك مرتين، مضيفاً أن الأخير أكد أنه حصل على الصورة من أحد زملائه السعوديين وأنها موجودة على الإنترنت، وأنه ذهل لردة الفعل لاعتقاده بأنها محض صورة لا يفترض أن تثير سوى الطرافة..) كما بين الدكتور إبراهيم (أن الأزمة تعود إلى اختلاف الثقافات).
ومع اتفاقي مع الدكتور عارف فيما جاء به وأنه فعل ما فعل بحسن نية، وأن المسألة قائمة على اختلاف الثقافات، فالكلب الذي يعد مسبة في مجتمعنا، ينام في غرفة نوم المواطن الأمريكي ويجلس على حضنه وعلى فراشه، ومع شكرنا له كونه قدم اعتذاره للحضور مرتين، إلا أن ذلك لا يعفيه من أنه أساء التصرف تجاه من أقبل عليه متلهفا لسماعه، الحضور الذين كانوا يرتدون هذا الزي بفخر واعتزاز، وبل لكافة الشعب السعودي والخليجي أيضاً.. فالزي الوطني جزء من الهوية الوطنية.
ومن جانب آخر أجد بعض الأستاذات اللاتي وفدن من مجتمعات مغايرة يتطرقن للحديث مع طالباتهن في قضايا محسومة بالنسبة لنا، على سبيل المثال لا الحصر حديثهن عن طبيعة العلاقة بين الذكر والأنثى خارج نطاق الزواج، وذلك من خلال الإشارة لصديق عشن معه عيشة الأزواج، وهذا الأمر من وجهة نظري يحتاج لمعالجة وحسم من قبل إدارات الجامعات، ووعي من قبل طلابنا أبنائنا وبناتنا.. فالمطلوب في علاقاتنا مع الشعوب أن تكون قائمة على الاحترام المتبادل لا الذوبان الملغي للتراث الديني والوطني.