دمشق: علي العائد

 يستضيف المركز الثقافي العربي في حي أبو رمانة بدمشق معرض المصور الضوئي بهجت إسكندر، الذي افتتح في الأول من أغسطس الجاري، ويستمر حتى الخامس عشر منه. المعرض تكون من حوالي 25 لوحة بين قديم إنتاج الفنان وحديثه، ومن لوحات توزعت مناصفة بين الأسود والأبيض والملون. لكن عدداً من متابعي المعرض لاحظوا عدم وجود موضوع، أو خيط، يربط بين اللوحات المختارة للعرض، والتي توزعت بين بورتريهات لوجوه من الشقاء الإنساني، ولوحات للطبيعة، أو مهن، أو معالم حضرية وشوارع في مدن متفرقة. ذلك التنوع في اللوحات مربك إذا أراد الفنان الجمع بينها تحت عنوان معين يسم المعرض، وربما كان هذا هو سبب عدم إطلاق تسمية على المعرض.
أما الفنان بهجت إسكندر فهو سوري يقيم في هنغاريا منذ بدايات ثمانينيات القرن الماضي، وقد أثبت نفسه كواحد من أهم المصورين في العالم، فالتصوير الذي بدأ هواية مع أول الشباب يحوز الآن كل وقته، حتى أصبح كل همه واهتمامه. والصورة عند إسكندر حوار بين عينه وعين الكاميرا، في شغف هو وسيلة كل فنان لتأريخ لحظات الطبيعة والعالم والإنسان. وبها استطاع، خلال ثلاث سنوات ونصف قضاها في الجزائر، موفداً من هنغاريا، أن يقدم الصحراء الجزائرية بكل ما فيها، وثيقة للتاريخ، عبر حساسيات فنية تعبر عين الكاميرا لتستقر على إطار لوحة لا تمل القول. فمن هو مثل بهجت إسكندر لا يحاكي، أو يُقلد، ولا يلتزم الحياد، فتأخذ عينه ما تأخذ، كما تقوم عدسته بعملها طائعة مختارة، ليميل الضوء، والأشياء حول بؤرة الصورة، كلها تتضافر لإخراج تلك الشهوة الفنية التي لا منطق يحكمها سوى لحظة الإبداع.
ففي لوحة ترى امرأة معروقة اليدين، فعل الزمن في يديها ما فعل، وفي لوحة أخرى تتشابك أيدٍ على خلفية شجرة عجوز ينبض في لحائها فعل الزمن، لتبرز المقارنة بين أثر فعل الزمن على الإنسان والشجر.
ونشير هنا إلى الصدفة التي قدمت بهجت إسكندر إلى العالم كفنان كبير، ففي هنغاريا نشرت الصحافة لوحة تبدو فيها غرفة نوم ضيقة، ويظهر فيها طفلا الفنان راقدَين على سرير حديدي صغير، وفوقهما حبل علقت عليه، بملاقطَ خاصة، صور كثيرة. ويبدو الفنان نفسه ممسكاً بالكاميرا ومضغوطاً بين السرير والجدار.
لقد أثارت هذه اللوحة اهتمام الصحافة الهنغارية، فشكل ذلك اعترافاً بموهبته العالية، فقررت القيادة الشيوعية، آنذاك، أن تساعده في بناء منزل لائق ومختبر مناسب.
وقد كتب أدونيس، مرة، عن الفنان إسكندر، فقال يترجم بهجت إسكندر في عمله الفنّي سيرورات اللّقاء بين المرئي واللاّمرئيّ، وبين البصر والبصيرة. وهي حالاتٌ تتقاطع فيها وتتمازج لغات الشّعور واللاّشعور، عين الرّأس وعينُ القلب، الفكرة والتجربة. هكذا يجيء العمل الفنّيّ كأنّه غَوصٌ في شعريّة الواقع، وكشفٌ عنها في آنٍ. كأنّه واقعٌ يحلمُ، وحلمٌ يستيقظ.