الدكتور فيصل الصباغ يمثل دفعة الجيل القديم في تخصص الأمراض العصبية، وتخرج من تحت يده جيل كامل من أطباء سوريا، يمتاز بالنكتة والأستاذية والشرح، وما زالت دروسه في الأمراض العصبية السريرية ساعة من الفكاهة والضحك لا تنسى. وانطبع في ذهني من صباح يوم شرحه عن آلام العصب الخامس (مثلث التوائم).
إن كان في الأحياء حياه الله فهو أستاذي وهو من فحصني من ثلاثة أساتذة في كلية الطب في قسم الأمراض الباطنية، وكان ذلك في امتحان التخرج كي أحمل لقب الطبيب وكان أحد تحديات حياتي، وإن كان الرجل في الدار الآخرة فأطلب لروحه الرحمة والسلوان.
وفي هذا الفن أي الأمراض العصبية وجراحتها استفدنا من الدكتور هشام بكداش الذي تخصص في أمريكا في فن جراحة الأعصاب، كما نجح أخي الدكتور توفيق دراق في تحصيل هذا الفن من كندا، حتى كانت منيته ضربا برصاص الغدر في سجن تدمر في ليلة نحس مستمر حيث قتل ألف ويزيد. وهي نفس قصة سجن بوسليم في ليبيا، واعظا لنا عن مأساة العرب الحديثة في خسارة العلماء والمثقفين والأطباء النطاسيين.
ولكن هذا الرجل الصباغ بالنسبة لي يذكرني بالطبيب الساحر كما كان طبيب القرية قديما يجمع بين الطب والسحر بحق، لأن الطبيب بضربة مشرط وجرعة دواء يحيل الموجوع مرتاحا والمتألم مسترخيا، بقدرة الشفاء التي سخرها الله لعباده على يد الطبيب..
ولكن قصتي مع فيصل الصباغ قصة مختلفة فهي ضرب من السحر حقا حين أخبرني أهلي من مدينة القامشلي حيث تتفجر فيها الاحتجاجات هذه الأيام، قالوا لي أختك الصغرى أصيبت بالشلل، صدمت وتعجبت فهي فتاة صغيرة وليست كبيرة واهنة السن فمن أين أتاها الشلل؟
وأذكر قصة الشاب من بريدة في القصيم حين اتصل بي عمه وقال لقد استيقظ صباحا وهو لا يقوى على رفع يديه؟ قلت له وكيف ذلك؟ وكم عمره؟ وهل تعرض لرض أو حادث؟
قال أبدا ليس فيه البلى كما يقولون، ولكنه صحا من فراشه وبدأت مظاهر الضعف تتناول يديه وكتفيه؟ قلت حسنا سوف اتصل بزميلي من الأمراض العصبية ليراه لك بعد الظهر، وكنت أثق بالدكتور الجمري فأعطاني أقرب موعد، ولكن المرض كان أقرب إليه من شراك نعله.
قبل الظهر عاود الاتصال وقال انتشرت العلة إلى أطرافه الأربعة وبدأ الضعف في تنفسه فحياته في خطر!
لم أصدق كيف يضرب المرض، وعرفنا لاحقا أنه أصيب بمرض حاد من التهاب النخاع الشوكي اكتشفه دكتور فرنساوي اسمه غيلان بارييه أخذ المرض اسمه علامة للرعب وموجة الفزع.
خضع المريض لعلاجات مكثفة وأهمها أنه وضع لفترة تحت التنبيب للتنفس، حتى قوي جهازه التنفسي، ثم استرد طرفا من القوة العضلية، وبدأ يمشي مع عرج خفيف وضمرت عنده عضلات الحوض فلم يخرج من العلة بدون عقابيل وتشوهات. وهنا تذكرت قصة الفيزيائي البريطاني ستيفن هوكينج صاحب أعظم دماغ فيزيائي بعد نيوتن الذي ضربه الحثل العضلي مثل صاحبنا بدون رقاء وشفاء.
كذلك الحال مع أختي حين استقبلتها في مطار دمشق القديم وهي في عربة الدفع فلم تعد تقوى على المشي.
تأملتها وأنا حزين وتوجهنا من فورنا إلى عيادة الدكتور فيصل الصباغ وكانت عيادته محتشدة كالعادة.
دخلنا عليه وهو يتأمل ويفحص وكنت طالبا أتأمله وماذا يفعل؟ ثم أخذها إلى غرفة جانبية وأوصلها بأسلاك وأشرطة وبدأ يضخ الكهرباء في عضلاتها والمفاصل فلاحظنا رقص العضلات وارتجاج السيقان وهزهزة المفاصل.
قال لها قومي وامشي! نظرنا في بعضنا أنا ووالدتي ولم نصدق! قامت أختي ومشت وشفيت من الشلل!
سألته ماذا فعل؟ وما المرض والعلة؟ لم يجب ولم يبتسم ونظر فينا بوجه القناع.
خرجت أختي من العيادة على رجلها وكانت قد دخلت بعربة دفع وشلل ساقين؟
اهتز القوم المنتظرون في العيادة ممن رآها تدخل بعربة وتخرج على ساقيها شافية معافاة بضربة سحر، وكبروا وحمدوا الله على الشفاء والمدح للطبيب الساحر..
لا أدري ما الذي حرك القصة في ذاكرتي ولكنها كانت ساعة تجعلني أقرن بين عمل الساحر والطبيب.. ثم أرجع إلى قول الرحمن سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين، وإنا إلى ربنا لمنقلبون.