التنمية في بلادنا تحتاج إلى خطط تنمية حديثة بفكر حديث وبمشاركة مؤسسات المجتمع المدني، وتحتاج إلى جلسة حوار خاصة يتبناها مركز الحوار الوطني

التخطيط في الدول المتقدمة يمثل حلم الشعوب لمستقبلها، يشاركون في رسم وصنع الخطط التي تحقق لهم التقدم والنمو والتطور، وتنعكس إيجاباً على مستوى معيشتهم ورقي ثقافتهم وتطورهم الصناعي، وترتبط خططهم ارتباطا وثيقاً بالمجتمعات وبجميع الفئات العمرية والثقافية والاقتصادية، ويشارك المفكرون والاقتصاديون والسياسيون وطلبة الجامعات وطلبة المدارس نساء ورجالاً شباباً وشيوخاً مؤيدين ومعارضين بجميع دياناتهم ومذاهبهم.
ويعتمد التطوير في البلاد المتقدمة على رأي المستفيدين من الخدمات المزمع تطويرها على مستوى الدولة والمنطقة والمدينة والقرية. حتى تطوير القرى لا يتم حتى أخذ موافقة أو رأي أبناء القرية على مشاريع التطوير في بعض الدول، ولا تستطيع حكومة كانتون جنيف بسويسرا أن تغير تخطيط البناء أو الشوارع أو تغيير المسارات أو منح رخص بناء لبعض المباني دون أخذ موافقة أهل المدينة أو الحي أو إعلامهم مبكراً بأن هناك مشروعاً سيقام في هذه المنطقة، وتوضع مواصفات المشروع وارتفاعاته ويعلن عنها في لوحة في مقر المشروع، وتعطى لأهل المنطقة فترة زمنية لا تتجاوز ستة أشهر، وإذا لم يعترض أحد من أهل المنطقة يمنح صاحب المشروع الترخيص اللازم، وإذا اعترض أحد المجاورين للمشروع يوقف المشروع حتى تحكم المحكمة المختصة.
ويسري هذا حتى على مشاريع التطوير في المدن في بعض من دول أوروبا، وينطبق هذا على بعض الخدمات المقدمة للمواطنين وعلى الخطط المقدمة للمشاريع الصناعية والتعليمية والصحية والزراعية وغيرها.
أما التخطيط في الدول النامية، حتى وإن خصصت له وزارات واستقطب له الخبراء والمتخصصون، إلا أنه تخطيط من جانب واحد، وهو الجانب الحكومي فقط، حيث يؤخذ رأي الوزارات والمؤسسات الحكومية وفي الغالب يطلب منهم تقديم الخطط المستقبلية الخمسية، ويتم إدماجها ضمن الخطط الخمسية، ونظراً لعدم ارتباط الخطط بالاعتمادات المالية الكافية لتنفيذ الخطط تتعثر هذه الخطط ويتقادم بعضها. وفي غياب المشاركة الشعبية المتخصصة من خلال مؤسسات المجتمع المدني تصدر الخطط حسب رؤية المخططين، ويفرض على المعنيين بتنفيذها التعامل معها وتطبيقها. والأمثلة عديدة، فتخطيط المدن على سبيل المثال في معظم مدن المملكة لم يؤخذ في الاعتبار رأي المجالس البلدية، وبالأصح عندما خططت المدن لم تكن بعض المجالس البلدية مفعلة، وعندما وضعت الخطط التطويرية للشباب لم يستشر الشباب في خططهم واحتياجاتهم في الماضي، وعندما وضعت خطط تطوير الخدمات بصفة عامة لم يؤخذ في الإعتبار رأي المستفيدين من الخدمة. حتى الخطط الاقتصادية في بلادنا لم يُستشر في بعضها المعنيون بها من غرف ولجان غرف أو رجال أعمال حتى إن بعض المشاريع الاقتصادية لم نجدها في الخطط الخمسية ولم يعلم عنها واضعو الخطط الخمسية وإنما تعاملوا معها فيما بعد كواقع جديد.
نعم، أشعر بأسى كبير تجاه الطرف الآخر وهو الطرف المعني بالتخطيط له ويقال أحياناً إن الطرف الآخر غائب عن المشاركة في التخطيط إما لعدم كفاءته أو عدم قدرته على المشاركة أو عدم اهتمامه بالمشاركة، وأنا أرد على أصحاب هذا الرأي بأن الطرف الثاني موجود وعلى كفاءة وقادر وراغب في المشاركة إلا أنه مغيب عن المشاركة نظراً لإهمال المخططين القائمين على تنفيذ هذه الخطط، ولهذا نجد الطرف الآخر بعيداً عن المشاركة، غير متفاعل مع الخطط ونجده أحيانا معوقاً لها.
ويرى بعض المخططين أن القائمين على الخطط غير مطلوب منهم مشاركة الآخرين في إعدادها، وهي إجابة مردودة عليهم لأن التخطيط قائم على المعلومات المتوافرة التي يبنى عليها التوقع المستقبلي آخذا في الاعتبار وجهات النظر المختلفة وهي الأساس في وجهة نظري.
إن وجهة نظري اليوم ليست محصورة فقط على وزارة التخطيط والخطط الخمسية للتنمية، وإن كانت هي المعنية إلا أنني أعمم وجهة نظري على جميع إدارات التخطيط والتطوير في جميع الوزارات والأجهزة الحكومية.
إن معظم الأزمات التنموية التي مرت على بلادنا كان أساسها في وجهة نظري هو سوء في التخطيط وفشل في التطبيق. وكم كنت أتمنى أن يراجع مجلس الشورى خطط التنمية ويطابقها على أرض الواقع ويعلن عن النسبة المنفذة فيها وأسباب تأخر تنفيذ البعض الآخر وما هي المعوقات التي واجهتها ويحلل أسباب الأزمات التي مرت على البلاد خلال فترة الخطط الخمسية السابقة. كما آمل أن نتأكد من مدى مشاركة المجتمع المدني في إعدادها.
إن فشل تطبيق بعض خطط التنمية على أرض الواقع يحتاج إلى تحليل دقيق وبشفافية لنتعرف على الاسباب. إن التنمية في بلادنا تحتاج إلى خطط تنمية حديثة بفكر حديث وبمشاركة مؤسسات المجتمع المدني، وتحتاج إلى جلسة حوار خاصة يتبناها مركز الحوار الوطني نناقش فيه انحرافات خططنا الخمسية الماضية وأسباب هذه الانحرافات حتى وإن أعلن القائمون عليها أنها أنجح الخطط في العالم أو صنفوها ضمن أفضل عشر خطط في العالم.