القاعدة تحيل اليمن من 'أرض مدد' إلى ساحة معركة
ارتفع عدد قتلى المواجهات بين المتمردين الحوثيين والقبائل الموالية للدولة في محافظة عمران في منطقة صعدة إلى 70 قتيلا خلال الأيام الخمسة الماضية. واستطاعت القبائل الموالية للدولة بقيادة الشيخ ابن عزيز استعادة موقعين كان المتمردون الحوثيون سيطروا عليهما في وقت سابق. وامتدت أيادي تنظيم القاعدة شرقاً فهاجمت بشكل مباغت مركزا عسكرياً بمحافظة شبوة المجاورة لمحافظة مأرب، حيث أسفر الهجوم الذي وقع فجراً عن مقتل خمسة جنود وجرح سادس في منطقة عتق. وكانت مصادر مقربة من زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن قد كشفت عن تحول دراماتيكي لافت في وضع اليمن لدى التنظيم من أرض للمدد إلى ساحة للمعارك والمواجهات المسلحة، بالتزامن مع تأسيس ما يسمى بـ تنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب في يناير من العام الماضي.
تكشف مصادر مقربة من زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن عن تحول دراماتيكي لافت في وضع اليمن لدى التنظيم من أرض للمدد إلى ساحة للمعارك والمواجهات المسلحة، بالتزامن مع تأسيس ما يسمى بـ تنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب في يناير من العام الماضي.
يقول الحارس الشخصي السابق لزعيم التنظيم ناصر البحري إن وضع اليمن لدى تنظيم القاعدة حرج للغاية ، وإن معظم الهجمات التي نفذها عناصر تنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب لم تحظ برضا أو مباركة القيادة العليا للتنظيم لاعتبارات تتعلق بكونها استهدفت مواقع مدنية وحكومية يمنية ولم تنجح في تحقيق الحد الأدنى من التهديد المفترض للمصالح الغربية والأمريكية في اليمن، مشيرا إلى أن تنظيم القاعدة الأم ينظر إلى اليمن باعتباره أرضاً للمدد وليس قاعدة إقليمية لإمارة تابعة للتنظيم في جزيرة العرب تشن من خلالها معارك وهجمات مسلحة ضد مصالح مدنية.
ويؤكد أن ما يسمى تنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب لا يمثل إمارة معترفاً بها من قبل القيادة العليا للتنظيم بزعامة أسامة بن لادن الذي طالب أعضاء القاعدة بمبايعة إمارة التنظيم في العراق فقط ولم يصدر منه أية توجيهات تحث عناصر التنظيم على مبايعة ناصر الوحيشي كزعيم لإمارة جديدة للقاعدة في اليمن.
ويصف الحارس الشخصي السابق لزعيم تنظيم القاعدة عناصر ما يسمى بـ تنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب بأنهم مجموعة متخبطة تفتقد للحرفية في تدبير وتنفيذ الهجمات والعمليات العسكرية، مستشهدا بالعملية الانتحارية الأخيرة الفاشلة التي استهدفت اغتيال السفير البريطاني بصنعاء في شهر مايو الماضي، والتي كشفت أن معظم قيادات تنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب لا يمتلكون مهارات عسكرية تؤهلهم للقيام بهجمات نوعية ضد المصالح الأمريكية في اليمن أو المنطقة باستثناء القائد الميداني للتنظيم الناشئ قاسم الريمي، الذي وصفه بأنه يعد أشرس قيادات تنظيم قاعدة الجهاد وأكثرهم تمرسا على التخطيط لشن الهجمات المؤثرة كونه تلقى تدريبات مكثفة في معسكرات القاعدة في أفغانستان قبل سقوط حكم طالبان .
من أرض المدد إلى ساحة للمعارك
التحول الدراماتيكي في وضع اليمن لدى تنظيم القاعدة من أرض للمدد إلى ساحة للمعارك والذي بدأ بالتزامن مع ظهور تنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب بزعامة السكرتير السابق لزعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، ناصر الوحيشي مثل تغيرا لافتا في رؤية وإستراتيجية تنظيم القاعدة الأم التقليدية تجاه اليمن والتي كانت سائدة حتى عام 2002 .
ويقول الباحث المتخصص في دراسة تاريخ الحركات الأصولية في اليمن إبراهيم أحمد الأكوع إنه بمصرع زعيم تنظيم القاعدة السابق في اليمن أبو علي الحارثي في خريف عام 2002 على يد الأمريكيين، انتهت أول وآخر إمارة للقاعدة في اليمن، وقد أنشئت إمارة أبو علي الحارثي لغرض محدد يتماهى مع رؤية القاعدة لليمن كساحة مغلقة وآمنة لتدريب وتجهيز المقاتلين ومن ثم إمداد خلايا التنظيم في العراق وأفغانستان بهؤلاء المقاتلين، وقد حرص الحارثي على حصر مهام إمارته في هذا الجانب دون الانحراف إلى خوض معارك ومواجهات مسلحة ضد الحكومة اليمنية باستثناء التصدي للحملات الأمنية والعسكرية التي تستهدف ملاحقة عناصر التنظيم وكشف ملاجئهم الآمنة وتنفيذ عمليات عسكرية مدروسة ومتقنة ضد أهداف ومصالح أمريكية وغربية في البلاد والنأي ما أمكن عن استهداف المصالح المحلية .
ويعتبر الحارس الشخصي لزعيم تنظيم القاعدة أن حالة التخبط التي تسيطر على أداء عناصر تنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب أسهمت وإلى حد كبير في تشويه سمعة القاعدة الأم في اليمن الذي يتهم من قبل الغرب بكون بعض مناطقه تمثل حاضنة قبلية لعناصر القاعدة لاعتبارات فندها بالقول إن تركيز عناصر تنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب على استهداف منشآت ومصالح محلية والإخفاق المتكرر في توجيه ضربات مؤثرة على المصالح الأمريكية والغربية، وسقوط ضحايا مدنيين كتلاميذ المدارس في إحدى الهجمات التي استهدفت مقر السفارة الأمريكية بصنعاء في يوليو 2007 تسبب في تشويه سمعة القاعدة والحد من تأثير أدبياتها في المجتمعات المحلية اليمنية التي كانت في معظمها تتعاطى مع القاعدة كتنظيم جهادي وليس إرهابياً .
تراجع الحاضنة القبلية
اندماج فرعي القاعدة في كل من اليمن والسعودية تحت مظلة ما صار يعرف بـ تنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب ، وما أعقبه من تنفيذ ما يقدر بـ 62 عملية هجومية استهدفت في معظمها مصالح محلية يمنية وشخصيات أمنية وعسكرية تسبب في تقليص نطاق الحاضنة القبلية للتنظيم في اليمن.
ويرى الباحث في ظاهرة تنظيم القاعدة الدكتور أحمد عبدالرحمن المقرمي، أن التغير في وضع اليمن لدى تنظيم القاعدة ترتب عنه تغيير مماثل في وضع القاعدة في اليمن، وتحديدا منذ مطلع العام المنصرم الذي تزامن مع تأسيس تنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب ، منوها إلى طبيعة هذا التغيير بالقول حظي تنظيم القاعدة فعليا بحاضنة قبلية في اليمن وبخاصة في مناطق كمأرب والجوف وشبوة عقب أحداث 11 سبتمبر في الولايات المتحدة الأمريكية، ونتيجة التزام أبو علي الحارثي زعيم أول إمارة معتمدة من قبل التنظيم الأم بزعامة بن لادن أنشئت في منطقة مأرب، بحصر مهام الإمارة في الجوانب المتصلة بتأمين معسكرات للتدريب وتأهيل المجاهدين وعدم المبادرة بشن هجمات أو تنفيذ عمليات عسكرية، وقد تعاون بعض القبائل معه ورفاقه انطلاقا من مبدأ الإسهام في تجهيز الغزاة إعمالا للحديث الشريف من جهز غازيا فقد غزا ، إلا أنه وبدءاً من عام 2007 وتنفيذ القاعدة في يوليو من ذات العام لأول هجوم مسلح بعد سنوات من التهدئة استهدف قافلة للسياح الإسبان بمأرب ثم تصعيد العمليات العسكرية بشكل غير مسبوق خلال العامين اللاحقين، بدأ العديد من القبائل اليمنية في إعادة النظر في مواقفها المتعاطفة والمتعاونة مع تنظيم القاعدة بعد أن استشعرت أن القاعدة نكثت بالتزامها بحصر أنشطتها في اليمن في مهام التدريب والتأهيل وإعداد المجاهدين واختطت مسارا مغايرا تمثل في تحويل العديد من المناطق القبلية إلى ساحة خلفية للصراع المسلح مع الحكومة اليمنية.