أصبحت أشعر بالصداع وعدم الثقة؛ حينما أرى هذه الجملة تتصدر إجابات أمين منطقة، أو مدير بلدية، أو مشرف على مشروع، أو حتى محافظ يحترف التصريحات في كل وقت
وهي إجابة واحدة تسبق ـ عادة ـ كل سؤال عن مشروع لم يُستكمل أو تعطل في الطريق لسنوات، ويحفظها كل مواطن يتابع الصحافة الورقية والإلكترونية عن ظهر قلب، ويبدو أنها من اختراع بعض الأمناء أو بعض المتحدثين الإعلاميين. لا أدري. . ما أدريه أنه لولاها لأصبحت المشاريع لدينا مما يضرب به المثل في الجودة والعمر الطويل؛ قياساً بحجم الميزانيات المعلنة، ولأصبحت كل مدينة ومحافظة كما نتمنى وزيادة؛ مزدهرة بالمشاريع الرائعة والناس السعداء خدماتياً. لا أخفيكم أصبحت أشعر بالصداع وعدم الثقة؛ حينما أرى هذه الجملة تتصدر إجابات أمين منطقة، أو مدير بلدية، أو مشرف على مشروع، أو حتى محافظ يحترف التصريحات في كل وقت، لأنني أعرف أنها ستتكرر كثيراً قبل الإنجاز، ولأنها أيضاً أصبحت (لزمة) لا بد منها كما يبدو قبل أن الانتهاء من أي مشروع حكومي يتطلع إليه الناس وينتظرونه بفارغ الصبر؛ فعندما يتساءل البسطاء عن أسباب تأخير مشروع ما بالرغم من رصد ميزانيته واعتماده وزارياً، أو عندما يتوقف مقاول متخم في منتصف المشروع، ويبكي مماطلاً على كل باب؛ كي يحظى بزيادة غير مبررة في العقد. تأتيك الإجابة النمطية إياها: بأن المشروع الذي تراه أمامك يتثاءب منذ سنوات جارٍ استكماله، وسيستكمل وكأنك لا ترى ولا تفهم ما يدور حولك! وإن كتب مواطن في أي صحيفة عن تأخير مشروع ما؛ فسيتم اغتنام الفرصة بالطبع لنشر صورة شخصية لسعادة المحافظ أو الأمين أو المدير، ويتم إرسالها مع الإجابة لتزيد الطين بلة، والمزاج تعكيراً. حتى أصبح بودي وبود الكثيرين غيري أن نرى مشروعاً يُنجز قبل أن يسأل عنه المواطن؛ ثم يُجاب كالعادة بـ: جارٍ استكمال، وسيستكمل. . ويبدو أن بعض بلديات وإدارات المحافظات الصغيرة دخلت الجو أو ربما أعجبتها اللعبة السهلة التي لا يدقق وراءها أحد؛ فأصبحت تردد هذه الإجابة النمطية بالجملة والقطاعي، وبالتأكيد فلها في أماناتها وإداراتها العامة أسوة حسنة، ولو كانت هذه الإجابات بالفعل تعبر عن الواقع لهان الأمر؛ بمعنى آخر: لو كان العمال يشتغلون حقيقة في المشروع الذي يقال عنه بأنه (جار استكماله وسيستكمل) لكنا من المنتظرين، ولصبرنا طالما أن المسألة مسألة وقت فقط؛ لكن المؤسف أنها أصبحت توزع على وسائل الإعلام كيفما اتفق، وبشكل روتيني بل ومستفز في حالات كثيرة، وأخشى أن يشرب أولئك المصرحون بهكذا إجابات مقلباً كبيراً؛ فتكون الإجابة إياها تخص مشروعاً آخر لسائل آخر، أو مشروعاً لم يعتمد من الأساس! خصوصاً أن هذه الجملة /الإجابة أصبحت قاسماً مشتركاً في الكثير من الإدارات التي تهتم بنشر صور مديريها أكثر مما تهتم بمتابعة وإنجاز ما أوكل إليها من أعمال؛ مما يعني أن الأمر مجرد استخفاف بعقول الناس، أو من أبجديات العمل لدى أقسام العلاقات العامة، أو على الأقل هكذا وصلت لنا الرسالة كمواطنين، وهو ما جعل بعض الظرفاء أو ربما المتألمين من واقعنا يطلقون تسمية: مشاريع جارٍ استكمال وسيستكمل. على الكثير من مشاريعنا المتعثرة؛ التي لو نفذت في وقتها المحدد لأضافت الكثير من الوهج والرفاه للإنسان والمكان. . لكن يبدو أن للبعض رأيا آخر؛ يجعلهم لا يقتنعون أن الناس لم تعد تنطلي عليها مثل تلك الجمل العقيمة والإجابات المحنطة؛ فالمليارات التي تصرفها الحكومة على المشاريع أكبر بكثير من كل أعذار التأخير الواهية لدى هؤلاء، ولو كانت المشكلة في الميزانيات لعذرنا كل متأخر عن إنجاز عمله إن كانت المادة فعلاً هي السبب؛ لكن الواقع يقول العكس. بدليل ما ورد في هذه الصحيفة يوم الأربعاء الماضي في العدد 3841. على لسان مدير عام الرقابة المالية بهيئة الرقابة والتحقيق؛ الذي قال: ( إن 6047 مشروعاً تنموياً تأخر تنفيذها خلال الأعوام 29ــ30ــ 1431 هــ وإن هناك أيضاً عددا من المشاريع المتعثرة التي تم توقيع عقود مع مقاولين لتنفيذها وانتهت المدة دون إنجاز. .. ) ألا تعتقدون بأن جملة: جار استكمال وسيستكمل؛ ربما تكون قد قيلت عن بعض هذه المشاريع؟ سأترك لكم الإجابة، وأتمنى لكم صباحاً خالياً من: جارٍ استكمال وسيستكمل!