لم يخجل المنظّر للفوضى الخلاقة من سوق العرب للدخول في مساومات السلام التي أراهن على أنهم لا يريدون السلام حتى لو أعطيناهم مفاتيح الأقصى وسلمناهم آخر عملة في جيوبنا وضحينا من أجلهم بدماء شعوبنا

درجت الحكومات الغربية ومؤسساتها الإعلامية والبحثية ودوائرها الاستخباراتية ومؤسساتها الديموقراطية وعملاؤها على تصوير المواطن العربي بصور سيئة وسلبية وقبيحة.
هذه الممارسات تعد جزءا من سياساتهم الخارجية التي تحاول أن تكرس التبعية وتعمقها في دولنا من خلال حزمة من القضايا والمفاهيم التي تحاول أن تفرضها على الشعوب بطرق سلمية وغير سلمية. ومن يراجع سياساتهم خلال الخمسين عاما الماضية بكل أحداثها وحوادثها التي وصلت بهم إلى تزوير الدلائل لتدمير العراق واقتصاديات المنطقة وتوازناتها وشن الحروب عليها يفهم ما نريد قوله في هذه الكلمات المختصرة.
لم يخجل المنظّر للفوضى الخلاقة من سوق الحكومات العربية وشعوبها للدخول في مساومات السلام التي أراهن على أنهم لا يريدون السلام حتى لو أعطيناهم مفاتيح الأقصى وسلمناهم آخر عملة في جيوبنا وضحينا من أجلهم بدماء شعوبنا فسنبقى في كتبهم وفي معابدهم وإعلامهم وسياساتهم ومدارسهم وجامعاتهم ودوائرهم الأمنية أناسا نكره الشعوب الأخرى ونحقد عليها ولا هم لنا في الحياة إلا تدميرها وتفجيرها وأننا ضد الحياة الكريمة والتمدن والنظام والقانون والعدالة والعلم وحقوق الإنسان والإبداع والابتكار والسعادة والمرح والثقافة والفن وغيرها من احتياجات الإنسان.
أما في سياساتهم الداخلية الموجهة لمواطنيهم بكل شرائحهم الذين لا ذنب لهم ونحترم ثقافتهم وكتبهم ومعارفهم وقيمهم ومنتجاتهم وصناعاتهم التي نستهلكها أكثر منهم، فهي تعمل بكل مالها من قوة وفكر في ترسيخ صور الإرهاب والقتل والجهل والتخلف والإسلام والأصولية وعدم احترام الأنظمة والقوانين وعدم العدالة واحترام حقوق الإنسان وسوء معاملة المرأة وبعدم الديموقراطية وغيرها من الصفات الذميمة التي أثقلت المواطن العربي واستخدمت ضده على المستوى الفردي والجماعي والوطني والقومي بهدف تركيعه وإشعاره بالدونية وإجباره على التبعية.
ولهذا تقوم الدنيا ولا تقعد لو جهل جاهل منا واعتدى على حقوق الغير سواء كان ضد مجتمعه أو ضد مجتمعاتهم فسوف يحاكم جميع العرب والمسلمين وثقافتهم ودينهم ورموزهم ويتهمون بكل جرم.
ولكن من يدافع عنا وعن نظمنا ومؤسساتنا وقيمنا وثوابتنا ومكتسباتنا وحقوقنا ويصون كرامتنا ويحفظ دماءنا وأوطاننا؟ أعتقد أن الأيام أثبتت ان هناك تقصيرا ضخما نمارسه ضد أنفسنا ومجتمعاتنا وأوطاننا لمجرد مكاسب شخصية ما أن تمر السنين حتى ترتد ضدنا في لحظة غرور وكبرياء وجهل بحالنا وسوء تصرف وتهاون ببعضنا. إضافة إلى عدم وجود المبادرات الشجاعة منا لمعالجة مواطن الضعف والخلل التي يتسلل منها المتربصون بنا والذين نسمعهم في التلفزيونات وفي المواقع الإلكتروينة وفي الجوالات وفي غيرها من المواقع والتجمعات. لهذا فإننا نتوجه للحكومات الغربية بأن تتحلى بالموضوعية وبالديمقراطية والعدالة والالتزام بالمواثيق الدولية وأن تغير من ممارساتها في تدمير المجتمعات والعبث بمكتسباتها وعدم الاحترام لدماء شركائهم في الحياة وفي الممات بل وفي الآخرة من بني البشر من أجل مكاسب مادية يمكن أن يتشارك الجيمع فيها ويتقاسموا المصالح والمنافع المختلفة.
لماذا أقول هذا؟ لقد شهدت الشهورالماضية تحولات كبيرة أكبر من الحادي عشر من ديسمبر الذي نتألم في ذكراه لعدة أسباب أهمها أننا لا نؤمن بالاعتداء وقتل الأبرياء. وثانيا لعدم وضوح هذه القضية التي كلفت مجتمعاتنا ودولنا جميعا الشيء الكثير في وقت يرفض فيه العقل استيعاب المعطيات المادية لتلك الحادثة المؤلمة، وخاصة بعد تزوير الحقائق لتبريرغزو العراق والفوضى الخلاقة. هذه التحولات الضخمة أثبتت أن هناك شعوبا عربية شريفة نظيفة متحضرة اتهمت بكل الصفات الذميمة السابقة الذكر وربما أسهم بعضنا في إعطاء تلك الصور السوداوية عن الإنسان العربي دون تجربة، وأحيانا نتيجة حماقات أو تقارير استخباراتية أو سياسات وتصرفات فردية مغرضة.
العالم اليوم أصبح مكشوفا ولم تعد المعلومة تغيب والحقيقة واضحة أن الإنسان يمشى ومعه قرينه الإلكتروني بل قرناؤه الذين يفضحون حياته الخاصة التي اقتحمتها التقنية. لقد خرج الإنسان العربي يمشى في الشوارع بدون سلاح سوى المطالبة بالحقوق والحقوق فقط لا شعارات قتل ولا دمار ولا تخريب ولا شتمية بل بخلق، ونظام ونظافة بالرغم من وجود كل المعوقات، في الوقت الذي يخرج فيه البلطجية والمرجفون في الأرض لإفساد تلك الصور الحقيقية للإنسان العربي.
وكانت تلك المسيرات التي لسنا هنا بصدد الحكم على أسبابها أو نتائجها أو تداعياتها، ولكن على السلوك الذي مارسه الإنسان العربي عندما منح الفرصة ليعبر عن سلوكه وتصرفه وقيمه. خرجت الشعوب وهي تعلم أن أفراداً ومؤسسات ودولا وحكومات كثيرة قد أسهمت في سلب حقوقها وتدخلت في شؤونها الداخلية وحرضت عليها بطرق متعددة ولنقل بسياسات متشددة أدت إلى جرح كرامتها والطعن في قيمها وثوابتها وأخلاقها. ووصل الحد بالبعض أن يستدعي تلك السياسات والفزاعات والشتائم والاتهامات للشعوب العربية بثورة الإسلام الذي صوروه على أنه هو الكارثة والعدو القاتل الذي سوف يدمر الشعوب ويدمر الحريات والسياسات وغيرها. غير أن الملاحظ أن سعة صدور أولائك المؤمنين المضطهدين قد تجاوزت بهم السياسات والاتهامات والشبهات بأنهم يريدون الخراب والدمار للعالم ولمن يختلف معهم. لقد حمل هؤلاء الصليب والهلال والتحم المسيحي والمسلم والليبرالي والمحافظ تحت مظلة واحدة هي الوطن الذي يتسع للجميع، ورددوا هتافاتهم أن الوطن فوق الجميع، وأنهم طلاب كرامة وعدالة لا طلاب سلطة أو حكم.
وأخيرا أرجو أن تراجع الحكومات الغربية ومؤسساتها المختلفة وفي مقدمتها السياسية والأمنية والإعلامية والثقافية مواقفها وسلوكها وسياساتها التي أثبتت الشعوب العربية أنها مخطئة في حقوق أولئك الشرفاء الذين لا هم لهم إلا الحياة بكرامة وعدالة وعزة وشرف مطالبين بحقوقهم وملتزمين بواجباتهم تجاه أوطانهم ومجتمعاتهم وتجاه شركائهم في الحياة ممن لا يريدون لهم الاستقرار والتطور والنماء ومقومات الحياة الكريمة. عشتم أيها العرب أوفياء شرفاء كرماء تنعمون بالعدل والرخاء.