أبها: محمد آل عطيف

مطاعن: المرأة في الماضي كانت تشارك الرجل في الدفاع عن القرية

عسيرُ عندما تروي سيرتها على لسان شخوص امتزجت بهم، فكانوا جزءاً منها، لا أفرادا عرضيين مروا بها سريعا، حينها يكون للقصة شأن آخر، ذلك هو الحال مع الشيخ أحمد مطاعن، الشاعر والأديب، الذي جمع بين خبرتين، بين الأدب، والعمل في إدارته، حيث عمل لما يزيد على خمسة عشر عاما، نائباً لرئيس نادي أبها الأدبي. الرجل الذي عبر إلى الجسر الثامن من عمره، لا تفصله عن التسعين إلا 4 سنوات، التقته الوطن، فاتحا لها خزانة الذاكرة، عارضا شريطا ممتدا من الصور التي لا تنسى، لأبها المدينة والحب، في زمن خلى، له من اللذة والمتعة الشيء الكثير.

الاكتفاء الذاتي
بشغف من يود استكشاف ماضي حبيبته، سألت الشيخ مطاعن، عن الحياة في عسير فيما مضى من عقود، ومصادر رزق الناس، وإذا ما كانت تستورد حاجياتها من مناطق أخرى؟. اعتدل الشيخ في جلسته، تنهد، وقال حسب ما نقل إلينا عن آبائنا، وما عايشته، لم تكن عسير تعتمد على الاستيراد، سواء من مناطق أخرى، أو من الخارج. عسير بكافة إماراتها سابقاً، ومحافظاتها حالياً، كانت مكتفية ذاتياً، من حبوب القمح، والشعير، والذرة، والدخن، والعدس، كما بعض البقوليات. وكانت المنطقة إلى عهد قريب، منكفئة على ذاتها، حيث لم يكن هناك ارتباط بمنطقة أخرى في مجال الاستيراد، لا لشيء ولكن ضيق ذات اليد كان يحول دون ذلك، مضيفا لقد كان هناك تصدير محدود للحجاز ونجد، في مجال القمح عالي الجودة. مبينا أنه في منتصف الخمسينات الهجرية وأوائل الستينات، انفتحت المنطقة على المناطق الأخرى، وبدأ التجار يسافرون إلى الخارج، فوصلوا عدن، ومنها عرفنا الكماليات، والبخور، والملابس، والمعلبات المستوردة.

مجتمع قبلي
لا يخفى أبو محمد، سيطرة القبيلة على كثير من مناحي الحياة في منطقة عسير قديماً، حيث كان إنسان المنطقة ولا يزال بفطرته مؤمن بعقيدته، لكن قوانين القبيلة وعاداتها، المنسجمة مع الشرع، هي المسير الأول لقوانين وأعراف المنطقة، قبل الحكم السعودي. وكانت تلك القوانين والأعراف والنظم، تُفرض، ولا يمكن لأحد الخروج عنها، إلا أنه كما يقول تغير الحال، وأصبح ابن المنطقة أكثر تمدناً وحضارة، وولاء للدولة، ووازى بين القوانين الحالية، ومتطلبات القبيلة.

العُشر والعشيرة
يُعتبر المد العاشر من محصول المزارع حقاً مكتسباً للقبيلة أو القرية، التي يعيش فيها المزارع، وعليه دفعه لما يسمى العشيرة، أو بيت الجماعة. هذا المُد العاشر لا يذهب إلى شيخ أو نائب قرية، كما يقول مطاعن، لكنه يحتفظ به في صوامع طينية، مبنية من عدة أدوار، مخصصة لحفظ الحبوب. تحتفظ بها القرية إلى وقت الحاجة. فإن استمر الرخاء، وجادت الأرض بمحاصيل أخرى، وتوفر ما يزيد عن الحاجة، بيعت تلك المحاصيل، واحتفظ بالمال المجتمع في صندوقه الخاص. وإن شح المطر، وانقطع القطر، أكلت القرية مما اختزنته، من المد العاشر.

الضيف والضيافة
منطقة عسير، وإلى عهد قريب، كانت تقيم أفراحها وأحزانها لمدة ثلاثة أيام، حيث لا توجد مطابخ، أو مطاعم، كما هو الحال هذه الأيام، ويروي الشيخ أحمد مطاعن لنا، طقوس الضيافة، والتي كانت تلزم القرية أو القبيلة، أن يحتفوا بالوافدين لمدة ثلاثة أيام، تقدم فيها الخراف مطبوخة، والتيوس محنوذة، مع البر والسمن، مضيفا لم تعرف المنطقة المفطحات، إلا في أوائل الثمانينات الهجرية. ولم يكن الرز معروفاً، وكانت أشهر الوجبات هي العصيدة واللحم المقطع، أو البر والسمن الممزوج بالعسل. مبينا أنه كانت لدى القرية ترتيبات معينة لاحتواء الضيوف طيلة تلك المدة، وكان كل فرد عليه ضيافة معينة، تسمى(الخطة) لمن عليه واجب ذبيحة، و(الصحن) للبر والسمن. فيما كانت القهوة محل استراحة الضيوف عصراً. وكان الضيوف يأتون بأعداد كبيرة في الزواج والختان، لأنهم يأتون سيراً على الأقدام. معتقدا أن الفقر ليس هو السبب الرئيس في اقتصار الضيافة على مدة ثلاثة أيام، إذ إنه بعد المسافة، وعدم وجود مركبات، هو السبب الأهم برأيه.

المرأة والحقل
بحسرة من اشتاق لماضٍ جميل، يرى مطاعن أن الحياة تعقدت، والعلاقة بين الرجال والنساء بات ينظر لها بشكل مختلف. ففي السابق، كانت المرأة تقف جنباً إلى جنب مع زوجها وأهلها في فلاحة الحقل، وكثيراً ما كن يشاهدن وهن يسقين الزرع، ويحلبن الأبقار، ويعلفن الماشية، مضيفا في الماضي كانت مشاركة المرأة في الحياة أكثر، وكانت هي مدبرة المنزل، والساعد الأول للرجل، تشعره دائماً بتواجدها في حياته، ذاهبا في حديثه إلى أبعد من ذلك، حيث أكد أن المرأة في عقود خلت كانت تشارك الرجل في الدفاع عن قريته.

الأتاريك
الإتريك، مصباح متوهج، عرفته أبها في أوائل الخمسينات وحتى أواخر الستينات، ليحل بعده موتور كهربائي، يعمل صباحاً في طحن الحبوب، وفي المساء وحتى العاشرة في توليد الطاقة الكهربائية، كما يروي لنا الشيخ أحمد مطاعن، مضيفا أن أول من أدخل الكهرباء، رجل يدعى أحمد حيدر، وهو بحسب مطاعن كان يتقاضى أجراً مقداره ريال واحد عن كل لمبة إضاءة في الشهر، وكان نصيب البيت لا يتجاوز بالحد الأعلى لمبتين، ولم تكن هناك سخانات كهربائية أو أي أجهزة.

وادي أبها
كانت أغلب الأودية في أبها أشبه بأنهار دائمة الجريان، إلى ما قبل ثلاثة عقود، حيث كان وادي أبها ينقص جريانه، لكنه لا ينقطع، يقول مطاعن، مبينا أنه بني أول سد في أوائل الستينات الهجرية، بنته القبائل بالحجر، لكن كثيراً ما كانت السيول الجارفة تأتي عليه ويعاد بناؤه، حتى عام 1392، حيث دشن الراحل الملك فهد بن عبد العزيز، الذي كان وزيراً للداخلية آنذاك، أعمال سد وادي أبها الحالي.

البناء القديم
وعن طريقة البناء العمراني القديم، أبان مطاعن أن البيت في عسير كان يقام من دورين، وقد يصل إلى أربعة أو خمسة، يتم تأسيسها بالحجارة، تليها المداميك الترابية، وكان الدور الأرضي عبارة عن غرف لإيواء الماشية في وقت الليل، نوافذها صغيرة، وإن كثرت في أعدادها للتهوية والإضاءة، حيث تنظف يوميا من قبل العنصر النسائي في البيت. أما الطابق الثاني فهو مجموعة من الغرف، تضم مجلس الرجال، وغرفة أخرى، إذا كان هناك ما يسمى بغرفة النساء، وثالثة لنوم الضيوف، أو القسم الرجالي لغير المتزوجين من أفراد الأسرة. ويتكون الدور الثالث من السقيفة العائلية (المعيشة)، ودار العروس، وغرف النوم الأخرى. والدور الرابع يتكون من المسقف (المطبخ)، وغرفة الخلوة، وهي عبارة عن ملحق مضاف، يطل على كافة الساحات المحيطة بالمطبخ، لمشاهدة كافة جوانب منزلها، سواء في المزارع، أو منافذ القرية، مضيفا في تفصيله لمعالم البيوت في ذلك الزمان كانت المباني تبنى من عدة أدوار، يسمى الكبير منها قصرا، والصغير دربا.