الزلزال العربي يخدم أمريكا بشكل جيد؛ بل ويغير استراتيجيتها التاريخية المعهودة التي تقول: استقرار بلا ديموقراطية أفضل للعرب، وأكثر أماناً لأمريكا؛ لتصبح: ديموقراطية بلا استقرار، وليختصم المعنيون بالأمر كما يريدون
اليوم لا يشبه البارحة؛ الخوف الأمريكي من الإرهاب تراجع، وسيتراجع أكثر مع كل فوضى تحدث في بلاد العرب، الزلزال العربي يقدم الأمان لأمريكا والغرب عموماً على طبق من ذهب، وربما من غير قصد، العرب ينشغلون بأنفسهم، بثوراتهم، ببعث آمالهم المتثائبة، وأمامهم عقود طويلة لينتظموا في الطابور مجدداً؛ بعد أن يختصموا على صناعة الدساتير الجديدة أو المرقعة في بلاد الثوار.. الآن لن يفكر الإرهابيون في الذهاب إلى أمريكا لسنوات وربما عقود، ولماذا يذهبون؟ لا يوجد سبب وجيه؛ هم أصلاً كانوا يقولون إنهم يقاتلون أمريكا لأنها حمت أنظمة لا يريدونها. واليوم انتهت اللعبة؛ فتكاليف غزوة فاشلة أو تفجير متخلف في أمريكا لا يؤدي إلى نتيجة، ولا يقربك خطوة واحدة من السلطة.
الربحية الآن أن تعود إلى بلدك مواطناً صالحاً، أو مصارعاً ضالاً. سيان، وأن تبحث كغيرك عن دور قبل أن يطير الثوار بالأرزاق والمناصب، الأقربون أولى بالمعروف، وربما بالوسوسة. أمريكا لم تتدخل في ما حدث من ثورات كما يقولون، إذن هي رفعت يدها فقط عن بعض الأنظمة؛ فتساقطت الدمى تباعاً، والمسألة في رأي سيدة العالم شأن داخلي توصي فيه بضبط النفس، وكسب جميع الأطراف حتى تتضح الصورة، وبالتالي فجمع المغانم في بلاد العرب الثائرة يقتضي تغيير الاستراتيجية الجهادية؛ فهذه فرصة سانحة للعودة إلى الديار ومحاولة جني المكاسب.
القاعدة أكبر المتضررين من كل ما حدث، لا ديموقراطية تنفع معها، ولا حرية، ولا حتى فكرة أن تحكم الشعوب نفسها بنفسها. هي تشعر بأن الشباب العربي تجاوزها، ويفرض شروطه المستقبلية التي يريدها، كان هدف القاعدة تغيير الأنظمة العربية، استعدتْ أمريكا –كما كان يقول زعماؤها- من أجل ذلك، وها هي أنظمة تتغير؛ لكن ليس بيد القاعدة، ولا بيد أتباعها، بل بيد الجيل الرقمي الذي لا يهتم بوصايا القاعدة، وعمامة الشيخ وعصاه.
أحلام الجيل العربي أكبر وأقوى، وأكثر منطقية؛ لكن القوم/ الجهاديين سيعودون إلى ديارهم قريباً؛ تائبين أو مزعجين، صدقوني لن يسأل الناس عن الفرق مادام الجميع في حضرة الكعكة، ومن حضر القسمة فليقتسم؛ هكذا تقول كتب القواعد العربية.
كابوس أمريكا مع الإرهاب يزول من تلقاء نفسه، أو بالأحرى يعود ليقاتل على منصب متقدم، وثقافة يراها معتلة، وحلم خلافة طال انتظاره في بلاد الثوار! الاستقرار العربي جلب الإرهاب إلى أمريكا كما تزعم، استمرت في دعم الأنظمة العربية لخمسين سنة، لم تفكر يوماً في (دمقرطة) بني يعرب، لكن ضجة الشعوب العربية أجبرتها على تغيير الاستراتيجية ورفع يدها، وها هي الفوضى العربية ـ خلاقة أو غير خلاقة ـ تُشغل العرب بأنفسهم، وتنسيهم أمريكا، والصليبيين ومن صالبهم، واليهود أيضاً ومن هاودهم، وتعيد مطاريد بني يعرب إلى الديار الأم، ومن زنقة لزنقة يتلاشى العبء عن كاهل العم سام رويداً رويداً.
إذن الزلزال العربي يخدم أمريكا بشكل جيد؛ بل ويغير استراتيجيتها التاريخية المعهودة التي تقول: استقرار بلا ديموقراطية أفضل للعرب، وأكثر أماناً لأمريكا؛ لتصبح: ديموقراطية بلا استقرار، وليختصم المعنيون بالأمر كما يريدون. المهم أن يكون ذلك أرحم ولا يُصدر الإرهاب على حد زعمها.
تبقى مشكلة النفط، لكنها أيضاً ميسورة وفي متناول اليد؛ الفصل السابع كفيل بتأمين الطاقة، ليبيا مثال واضح، وقبلها العراق. العالم العربي يغلي، ولا فائدة من قتال أمريكا بعد الآن، أو العيش في الكهف لآخر العمر! هذا ما توصل إليه الجهاديون أخيراً وإن لم يعلنوه، وإن صحت القراءة؛ فالتفجيرات لن تكون على رأس الغرب هذه المرة بل في بلاد العرب؛ سيحارب الجهاديون على هامش كل ثورة، وسيسعون مع الساعين إلى السلطة، وهذا حقهم إن تخلوا عن التطرف، وآمنوا بأن الإنسان هو بذاته قضية كبرى تستحق التصالح ووضع السلاح.
لم تحسن أمريكا التصرف بعد الحادي عشر من سبتمبر، استعدت كل العالم، همجية بوش جلبت الكثير من الأعداء، واليوم يختلف الوضع؛ فأمريكا تقدم نفسها بشكل أفضل: يوماً حمامة سلام بين كل الأطراف الثورية، ويوماً حامية للمستضعفين!
عربياً يتضاعف الأمل في السلطة لدى كل الأطراف، خصوصاً أن الأمور غائمة في أكثر من بلد، وكلهم يريدون الوصول إلى الحكم، وتشكيل الدساتير بما يضمن وصول الجماعة والإخوة والرفاق.. العرب شُغلوا بأنفسهم وكفى! أما هي فقد رفعت يدها، أو هكذا شُبه لنا.