إن من أهم مهام تلك المؤسسات -وأركّز على المجلس والغرف التجارية كونها أقوى وأقدر من الجمعيات- المساهمة في إصدار نماذج عقود مثلا، خاصة تلك العقود بالغة التعقيد وعالية الكلفة فيما يتعلق بنقل التقنية وبناء وتصميم المصانع والرخص التجارية والتوريد والإمداد وما إلى ذلك

لا شك لدي في كفاءة وعِظم الدور الذي يقوم به مجلس الغرف التجارية وغرف المناطق بالمساهمة في دعم وتطوير جوانب التجارة والمستثمرين في المملكة. كما أنني أحب أن أسجل إعزازي وتقديري لجميع المسؤولين الأكفاء في تلك الكيانات.
إلا أنه استدعاني للكتابة ندوات حضرتها في مدينة بروكسل أدّاها مستشارون بالتعاون مع الاتحاد الدولي للمستشارين المهندسين، وكان موضوع الندوات عن أحد أشكال ما يسمى بعقود فدك (FIDIC) التي وُضعت بإشراف الاتحاد بالتعاون مع عدد من المستشارين المهندسين والقانونيين.
هذه العقود جاءت لتغطي عددا من الأشكال التي يمكن أن يكون التعاقد عليها في عقود البناء والتصميم سواء كان ذلك للبنى التحتية أو للمصانع والمشاريع المُراد إنشاؤها، وقد وُضعت هذه النماذج بشكل احترافي عالي المهنية. وهناك العديد من المؤسسات الدولية والشركات الكبيرة التي تعتمد على تلك النماذج من العقود في تعاملاتها الدورية خاصة في أوروبا.
الذي أريد الإشارة إليه؛ أننا نحتاج إلى مثل هذه المبادرات لمساعدة القطاع العام والخاص لأجل حفظ مصالح الدولة في مشاريع البنية التحتية، ومصالح القطاع الخاص في مشاريع الإنشاء والتوسعات الصناعية من خلال التعاقدات الدولية التي ربما لا يملك الكثير من الشركات الوطنية خبرة كافية في هذا المجال. خاصة أنه من الملاحظ أن ثقافة الاستشارة القانونية ما زالت ضعيفة بشكل كبير سواء كان ذلك في القطاع العام أو الخاص، باستثناء بعض الشركات الكبيرة التي تمكنت من بناء الكثير من الخبرة والمهارة مثل أرامكو وسابك وغيرهما. وربما تجد بعض المستثمرين يتمنّع من إنفاق بعض الكلفة على الاستشارة القانونية -على سبيل المثال- قبل البدء بالمشروع بينما تجده ينفق الكثير في أشياء هامشية مثل الديكور وما إلى ذلك.
لو تمكّنا من إجراء دراسة مسحية على المشاكل القانونية أو حتى التقنية التي تواجهها المشاريع الناشئة خاصة لوجدنا أنها نشأت من ضعف الخبرة والاستشارة قبل البدء في المشروع. تلك المشاكل لم تكن لتقع لو أن المشروع ابتدأ على أساس قوي ومتين من خلال خبراء ومختصين كلٍّ في مجاله.
يجب أن يكون للغرف التجارية والجمعيات المدنية (مثل جمعية المحامين وجمعية المهندسين) دور بارز في مساعدة الدولة والمجتمع، وأن يكون لها نشاط مساعد في الجوانب التجارية والقانونية أو حتى التقنية والفنية ومحاولة نشر الخبرات والفائدة على الجميع. وقد يكون من المفيد الاستفادة من تجارب وخبرات المؤسسات الدولية أو المؤسسات المدنية في الدول المتقدمة من خلال نقل تلك الخبرات والمعارف بعد مواءمتها مع ما نحتاجه منها والنظام السعودي.
إن من المعيب أن تخلو المقاعد في المحافل الدولية من ندوات ومؤتمرات حول الأنشطة التي تتطلب الكفاءات العالية من السعوديين أو العرب بشكل عام. وباعتقادي أن هذه النتيجة لم تكن بسبب عدم توفر تلك الكفاءات لدينا. بل بالعكس يوجد الكثير من المؤهلين وأصحاب الخبرة والتعليم الجيد إلا أن ضعف علاقات وتنسيق المؤسسات المدنية لدينا يساهم بشكل كبير في هذا الغياب. فالحمد لله البلد مليء بمن يستطيع الإفادة والاستفادة خاصة بعد بدء توافد الطلبة العائدين من الجامعات العظمى بالعالم من خلال برنامج خادم الحرمين لابتعاث الطلبة السعوديين الذي سيكون له كبير الأثر بإذن الله في بناء مستقبل مشرق للمملكة.
أعود وأقول إن من أهم مهام تلك المؤسسات بنظري، (وأركّز على المجلس والغرف التجارية كونها أقوى وأقدر من الجمعيات) المساهمة في إصدار نماذج عقود مثلا، خاصة تلك العقود بالغة التعقيد وعالية الكلفة فيما يتعلق بنقل التقنية وبناء وتصميم المصانع والرخص التجارية والتوريد والإمداد وما إلى ذلك، هذه الإصدارات ربما تكون من خلال تشكيل اللجان القادرة أو الدعوة إلى المؤتمرات أو غير ذلك من الطرق.
كما أنه من الممكن المساهمة في وضع أعراف تجارية، وليس بشرط أن تكون ملزمة، وإنما يعود إليها التجار عند التعاقد -بما لا يخالف النظام والشريعة-، فالعادة محكّمة كما يقول الفقهاء، ثم بعد ذلك يمكن الحفاظ على تلك الإصدارات وتطويرها من خلال تكوين اللجان للمتابعة والتطوير، وبالإمكان أيضا وضعُ آلية لعضوية المستشارين ذوي الخبرة حول هذه العقود والمبادئ كي يكونوا مرجعا لتفسير وشرح تلك الإصدارات أو حتى تطويرها.
هاتان المهمَّتان كمثالين لبعض الأعمال التي أتمنى أن يكون للمجلس والغرف التجارية وغيرها من المؤسسات دور فعال في المشاركة والمبادرة نحو إثراء الثقافة التجارية والقانونية والاستثمارية وكل ما يساعد في بناء الوطن، حيث لا يمكن أن يكون كل الاعتماد على الدولة فقط، فلابد من مشاركات القطاع الخاص والمؤسسات المدنية، وبهذا يستفيد الجميع من الخبرات الموجودة ويتم تعميمها وتداولها بسهولة، مما يعزز اقتصاد البلد ورفاهها بإذن الله.