إذا كنا سنذهب إلى أماكن الاقتراع من جديد ونحن نحمل مرشحينا إلى ذات القوانين والصلاحيات بذات أوراق – النسخة الحالية – فللوزارة أن تعلم أن أسوأ ما في – بناء التجارب – ليس بأكثر من الانطباع الذهني للعقل الجمعي عن التجربة السابقة
أنهيت ما قبل البارحة قراءة البحث الاستراتيجي الموسوم بـ(تقويم تجربة الانتخابات البلدية في المملكة) وهو المبحث الاستطلاعي الذي أشرف عليه الزميل الدكتور فهد العرابي الحارثي مع سبعة باحثين آخرين بعيد الانتخابات البلدية التي جرت قبل ست سنوات خلت. قرأته لأتخذ قراري الشخصي حول المشاركة بالانتخابات البلدية القادمة، ناخباً أو مرشحاً، والحق أن هذه الدراسة العلمية الرصينة والجادة قد زادت موقفي من الانتخابات ونتائجها ضبابية وغموضاً وبالخصوص فيما تمخضت عنه وأفضت إليه هذه التجربة. أظن أنني على يسار المنطقة الرمادية من اتخاذ القرار وفي منطقة أقرب لبوابة الخروج متحسساً – بطاقة الانتخاب – في جيبي لأضعها في متحف البطاقات، ومستودعاً إلى غيري خوض التجربة. وإذا أراد سمو وزير الشؤون البلدية والقروية إنقاذ سمعة هذه الانتخابات فإن عليه أن يدرك أن أمامه عملاً جوهرياً يحتاج إلى قرارات مفصلية. عليه أولاً، أن ينقذ المجالس البلدية من وحل السمعة السيئة ومن فقدان الثقة الجماهيرية والشعبوية الكاملة وإذا كنا سنكرر هذه التجربة بذات الإضبارات والصلاحيات والوجوه القديمة، وبذات القوانين فإن له أن يستدرك ضحالة الطوابير التي سيشاهدها بعينيه في سبتمبر القادم. عليه ثانياً، مع فريقه الوزاري، أن يدرك أيضاً أن السنوات الخمس الأخيرة، ورغم هذه المجالس البلدية، ورغم الطفرة المالية الهائلة، قد شهدت أيضاً نسبة متدنية جداً في الخدمات البلدية مثلما شهدت أيضاً تباطؤ الإشراف والرقابة على جل المشاريع، تماماً مثلما عشنا خلال هذه السنوات الخمس أعتى وأكبر كوارثنا التي عصفت ببعض المدن الرئيسة وكشفت معها تهالك البنى التحتية وعورة التخطيط وسوء الخدمات وله أن يعلم أننا كلنا شهود على ما لمسناه وعشناه خلال الفترة التي كانت فيها هذه المجالس البلدية. على سموه وفريقه الوزاري أن يدرك أن المجتمع من حوله لم ينظر في تقويم تجربة هذه المجالس إلا أنها فقط أثمرت عما يقرب من 500 وظيفة وجاهية (لا أعلم الرقم بالضبط) بكل ما لهذه المجالس من ارتباطاتها المالية وهي حتى وإن كانت ذات تكلفة ميسورة إلا أن المجتمع ينظر إلى الثمن الثقافي من إعطائه نسمة انتخاب تفضي إلى نتيجة بالغة الضعف والهشاشة. من هو الذي سيذهب إلى الصناديق الانتخابية في الدورة القادمة ولماذا تصر وزارة الشؤون البلدية على المغامرة بسمعة مجتمع ووطن إذا كان صباح سبتمبر القادم سيفضح الطوابير المتهالكة تحت مسمى العملية الانتخابية؟ وإذا كنا سنذهب إلى أماكن الاقتراع من جديد ونحن نحمل مرشحينا إلى ذات القوانين والصلاحيات بذات أوراق – النسخة الحالية – فللوزارة أن تعلم أن أسوأ ما في – بناء التجارب – ليس بأكثر من الانطباع الذهني للعقل الجمعي عن التجربة السابقة. وبدلاً من أن تكون التجربة الأولى التي خضناها بنية أساس وتقييما لتلافي الأخطاء من أجل دعوة كل العقد الاجتماعي لخوض تجربة جديدة، فإن هذا العقد الاجتماعي لا يريد أن يكرر ذات التجربة بالكربون والأفراد والمجتمعات دائماً لا تكرر تجاربها إن هي آمنت أنها ذات التجارب المستنسخة. على سمو الوزير ووزارته الإدراك بأن جوهر العقبات التي اعترضت مجالسنا البلدية، ورفعها الأعضاء عذراً متكرراً لدى الجمهور، أن هذه المجالس لا تعمل بصلاحيات محددة وواضحة وأنها لا تعمل وفق نظام قانوني في علاقتها بالبنية الرسمية الإدارية من الأمناء أو رؤساء البلديات. ذات الصلاحية التي يراها النظام للمجلس هي ذاتها كاملة مكتملة لدى الأمين أو رئيس البلدية وبالتالي ما هي الحاجة الاجتماعية من الدفع بمرشحينا إلى عضوية المجلس البلدي إذا كان كل ما يوصون به أو يتشاورون من أجله سيكون بالكامل، وبالنظام، أيضاً رهناً لصلاحية فرد من المؤسسة الإدارية الرسمية على رأس الهرم بهذه الإدارة. إن كان الأمين أو رئيس الدائرة البلدية يمتلك كل صلاحيات المجلس البلدي فلماذا إذاً تدعونا الوزارة إلى خوض انتخابات جديدة. إذا كانت المجالس البلدية، وبالبرهان، قاصرة عن أداء دورها الرقابي والتشريعي وإذا كانت هذه المجالس لا تمتلك صلاحيات واضحة منفصلة ومستقلة فلماذا أذهب للصندوق في تجربة جديدة؟