ورشة لصناعة الأطراف الاصطناعية تعيد البهجة للمصابين
لم يكن جاي فيمونت، المدير في واحدة من كبريات شركات الأطراف الصناعية، والتي من فرط سعتها، امتلكت في دولة واحدة 43 ورشة صناعة، لم يكن فيمونت ليتخذ من المجاملة أسلوباً له، عند زيارته لورشة صناعة الأطراف الصناعية، التابعة لـلجمعية الخيرية لرعاية وتأهيل المعاقين في المنطقة الشرقية، والتي أنشئت عام 1996، حيث أكد بكل جدية أن هذه الورشة التي تقع في حرم الجمعية، لا تقل عن مستوى مثيلاتها في أوروبا، بل وتفوقت عليها، من حيث التصميم. إذ يتم تخصيص موقع هذه الورش عادة في قبو المباني، بينما خُصّص لها موقع ذو مساحة جيدة، ولا تجد الشمس صعوبة في الدخول عبر منافذه، ليكون مكاناً وبيئة نموذجية تعمل فيها الورشة.
قصص الفاقدين
الدخول لورشة صناعة الأطراف، سيجعلك حتماً تتذكر كم هي نعمة كبرى، أنك ما تزال تحتفظ بأطرافك. فكل غرفة تحكي محتوياتها قصصا عمن شاءت الأقدار لهم أن يفقدوا أطرافهم، أو ولدوا وهم يعانون تشوهات خلقية. كل ذلك يتراءى لك عندما تشاهد العديد من الأطراف الصناعية، التي يتم إعدادها، بمختلف المقاسات، لتناسب جميع أعمار المستفيدين، بدءًا من عمر سنة واحدة، وصولا إلى سن الـ 70 عاماً. ورغم أن هذه الغرف ومكائنها تحاول أن تخفف عن بعض معاناة أبطال هذه القصص، إلا أنها تبقى شاهداً على بشاعة الحوادث المرورية، ولؤم داء السكري، الذي نهش أطراف المصابين به، دون رأفة.
صناعة الأمل
الوطن التقت مدير وحدة الأطراف، أخصائي الأطراف والجبائر، عمر أوكيل، رفقة أخصائي الجبائر والأطراف، شريف قطاي، حيث شرح الأخير لنا، مراحل صناعة الطرف الصناعي والجبيرة، والتي تبدأ من غرفة القوالب الجبسية، حيث إنه وبعد أخذ القياسات الدقيقة لقدم المريض، أو ساقه، أو يده، فإنه يتم استخدام نوع من الشاش، ويتم صب بودرة الجبس بداخلها، حتى تصبح الجبيرة في مرحلة الإيجابية، وعندما يجف الجبس، يتم نقل الجبيرة إلى غرفة البلاستيك، حيث يتم صب البلاستيك على الجبيرة، باستخدام أفران خاصة لذلك، كما يتم استخدام ورق ملون بشخصيات كرتونية، وألوان زاهية، خاصة بأطراف الأطفال، لجذبهم إلى استخدامها. وفي غرفة الورشة، يتم تثبيت المفاصل الصناعية في الأطراف الصناعية، ويتم فصل الجبيرة عن القوالب، بعد التأكد من ملاءمتها، وفي غرفة المكائن، يتم كشط الطرف الصناعي، بحيث تشبه الطرف الحقيقي الذي فُقد. وفي النهاية، يتم وضع اللمسات الأخيرة على الطرف الصناعي، في غرفة الأحزمة، التي تمتلئ بالأطراف الصناعية الجاهزة للتسليم. ويشار إلى أن صناعة الجبيرة الواحدة، يستغرق 8 ساعات.
صدارة إقليمية
الأخصائي عمر أوكيل، أوضح أن هذه الورشة، هي الأفضل على مستوى الشرق الأوسط، بشهادة الخبراء الألمان والفرنسيين، الذين سبق أن زاروها، حيث إن جميع الأجهزة من صناعة ألمانية، كما أن الأشخاص الذين حضروا لتركيب الأجهزة، قدموا من ألمانيا، ولديهم خبرة كافية في هذا المجال، مؤكداً أن الورشة تفوقت على جميع الورش الأخرى في المملكة وخارجها، من حيث جودة الصناعة، واحترافية الفنيين فيها، حيث يحضر المستفيدون من المرضى، من جميع مناطق المملكة وخارجها، خاصة دول الخليج، للحصول على أطراف صناعية ذات جودة عالية، ارتبط اسمها مع مركز الأمير سلطان لتأهيل المعاقين، موضحاً أنه يتم تحضير المريض قبل استعمال الطرف الصناعي، من حيث جلسات العلاج الطبيعي، والتأكد من زوال الدوخة لدى البعض، خاصة مبتوري الساق، وتحضير المريض نفسياً، وتدريبه، الأمر الذي قد يستغرق أسبوعين، حسب الحالة.
السكري الباتر الأول
داء السكري، يعتبر الباتر الأول، حيث أبان عمر أوكيل، أن الحالات المبتورة التي تحضر لوحدة الأطراف، يكون سبب البتر فيها مرض السكري بالدرجة الأولى، بعد إصابة المريض بـالغرغرينا، مشيراً إلى أن هناك حالات تبدأ لديها العملية بالتدريج، حيث يتم بطلب المريض، تعويض عن أصبع قدم بآخر صناعي، ثم جزء من القدم، ثم القدم، ثم شيئا فشيئا حتى الوصول لما تحت الركبة، ثم عمل طرف صناعي للساق كاملة، ولذلك فهو ينصح مرضى السكري بارتداء حذاء خاص. أوكيل أوضح أيضا أن حوادث العمل، تحتل المرتبة الثانية من حيث تسببها في بتر الأطراف، ثم الحوادث المرورية، وتأتي في النهاية التشوهات الخلقية.
التشوهات الخلقية
الأخصائي شريف قطاي، لفت إلى أن تشوهات العمود الفقري خاصة الجنف، يمكن علاجها بنسبة 90%، إذا تم تدارك المشكلة قبل بلوغ عمر 18 سنة، خاصة لدى الفتيات، بحيث يتم عمل جبائر خاصة بالظهر، ومقاومة، تجعل الظهر في وضعيته الصحيحة. مشيراً إلى أن الطفل المصاب بالشلل الدماغي، يعاني من مشكلة عدم اهتمام ذويه بعمل الجبائر اللازمة له، ولذلك تزيد التشوهات لديه في الأطراف، نتيجة ضعف العضلات وانكماشها على بعضها، لنموها في وضعية غير سليمة، مؤكداً أن غالبية الحالات لا تشخص إلا في عمر 7 سنوات، والتأخر يحدث نتيجة خطأ في تشخيص الأطباء من البداية، موضحا أن الجبيرة تبقى ملازمة للطفل طيلة فترة نموه، ولا ينزعها إلا وقت النوم والاستحمام. وينصح الأهل بـعدم ترك الجبائر نتيجة صراخ الطفل، وتضايقه منها.
وأشار الأخصائي شريف إلى أن هناك مشكلة تتعلق بعدم معرفة المواطنين بوجود هذه الورشة التي تقدم خدماتها حتى لغير القادرين مادياً، حيث يمكن إعفاء البعض إذا ثبت عجزه عن سداد قيمة الأطراف والجبائر أو عمل إعفاء من نصف المبلغ، مشيراً أن عدد المستفيدين سنوياً من الأطراف السنوية قرابة 1000 شخص، مشيراً أن حجم الإنتاج السنوي يختلف بحسب احتياج الأفراد للأطراف وتبلغ تكلفة الطرف الصناعي والجبيرة ما بين 300 ريال إلى 22 ألف ريال، و يقوم 10 موظفين في الورشة ما بين فنيين ومساعدين فنيين على صنع الأطراف والجبائر بينهم سعوديان اثنان تم تدريبهما على صناعة الأطراف نظرياً وعملياً بعد إنهاء الثانوية العامة، وبين الأخصائي شريف أن مدة التدريب تحتاج إلى 4 سنوات، وشدد على أهمية وجود هذا التخصص الذي تندرج تحته تخصصات دقيقة أخرى. وفي ختام حديثه لنا، أكد على أن مصانع الأطراف في المملكة، تحتاج إلى مجاراة للمستجدات في صناعة الأطراف، وعمل ابتعاثات إلى الدول المتقدمة، للاستفادة من الخبراء فيها، حول ما هو جديد في هذا المجال.