الاستجداء عمل غير محبب لدى القائمين على المؤسسات الخيرية أو مؤسسات العمل الاجتماعي. ولولا حبهم للخير طمعا في الأجر من الله لما صبروا على معاناتهم في التعامل مع القطاع الخاص
الاستجداء من الميسورين لدعم برامج المسؤولية الاجتماعية والعمل الإنساني والوطني يعتبر من أصعب الأمور على العاملين عليه وفيه، وفي غياب التنظيم الرسمي الذي يفرض على الشركات المساهمة (بنوك وشركات صناعية وخدمية والشركات الدولية التي تعمل في مجال المقاولات الكبيرة وغيرها) تخصيص نسبة من أرباحها الصافية لدعم برامج المسؤولية الاجتماعية كما هو معمول به في بعض الدول العربية أو الدول الغربية، في غياب هذه النظم تصبح مساهمة الشركات المساهمة ومساهمة رجال الأعمال مرتبطة بأهواء القائمين عليها رؤساء ومدراء، وفي غياب التنسيق المشترك بين الشركات تترك الأمور لتوجهات الإدارة العليا حتى وإن كانت الخطط متكررة أو متشابهة بين الشركات.
ومن يتابع دور الشركات الداعمة لبرامج المسؤولية الاجتماعية يلاحظ أن دورها مرتبط بمن يرعى بعض برامج المسؤولية الاجتماعية أو من يرعى بعض المؤسسات الخيرية، فإذا كان الراعي هو خادم الحرمين أو ولي العهد أو النائب الثاني أو أمير المنطقة فعندها تتسابق الشركات لتقديم الرعاية مهما كانت التكلفة، لأن الأمر يتعلق بشرف السلام على الراعي، وأخذ الصور بجانبه، وتختلف درجة وقيمة الرعاية والحرص على المشاركة فيها باختلاف الراعي. وفي غياب الأسماء القيادية في رعاية المنافسات تغيب وتعتذر الشركات عن المشاركة. وكذلك يفعل رجال الأعمال، وهو أمر مؤسف وينطبق هذا على حضور المناسبات الخيرية والمشاريع الخيرية والإنسانية، فنلاحظ أن القاعات تمتلئ بالحضور يوم الافتتاح وبحضور الراعي حرصا على فرصة السلام أو التصوير والظهور الإعلامي بمختلف وسائله. ومن يتابع البرنامج للمناسبة أو المؤتمر أو الندوة لليوم الثاني يلحظ غياب رجال الأعمال وممثلي الشركات وعدم اعتذارهم، وتظهر الصور الحقيقية، وهذا ما ألحظه في معظم المؤتمرات والندوات الخيرية والإنسانية وغيرها حتى من المؤتمرات والندوات العلمية، ولقد لاحظت شخصيا هذه الظاهرة، وكان آخرها الأسبوع الماضي عندما شاركت متحدثا في إحدى جلسات المهرجان الخليجي الثاني للعمل الاجتماعي عن موضوع التكامل بين القطاعين الحكومي والأهلي في تحقيق التنمية المستدامة ودعم برامج العمل الاجتماعي. وكنت أتوقع أن يحضر نصف أو ربع حضور حفل الافتتاح الذي كان تحت رعاية الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكة المكرمة وبحضور معالي وزير الشؤون الاجتماعية الدكتور يوسف العثيمين وبعض من وزراء ومسؤولي وزارات الشؤون الاجتماعية في دول الخليج وحضور نماذج مشرفة من مؤسسات العمل الاجتماعي في دول الخليج، وباستضافة الغرفة التجارية الصناعية بجدة. ومع إعجابي وتقديري بالتنظيم الرائع لوزارة الشؤون الاجتماعية إلا أنني أشعر بالخجل من نسبة حضور رجال الأعمال في اليوم الأول للندوات، والتي بدأت من الساعة التاسعة صباحا وبررت عدم حضور رجال الأعمال في الجلسة الأولى بأن رجال الأعمال في مدينة جدة لا يبدؤون يومهم في العمل إلا بعد الحادية عشرة صباحا إلا أنني فوجئت أيضا بغيابهم في جلسة الحادية عشرة والنصف، وقلت في كلمتي يؤسفني أن يغيب القطاع الخاص في هذا اللقاء رغم أنه لم يكن المطلوب منهم التبرع قبل الحضور أو عند الحضور أو بعد حضورهم، وإنما الهدف هو المشاركة في الرأي والمشورة في بعض المواضيع المهمة المتعلقة بالعمل الاجتماعي. وطالبت بضرورة أن يكون هناك تنظيم رسمي من الدولة تفرض فيه نسبة بسيطة من أرباح الشركات المساهمة وعلى وجه الخصوص البنوك تخصص للعمل الاجتماعي، وطالبت بإنشاء صندوق العمل الاجتماعي تحت إشراف وزارة الشؤون الاجتماعية وعضوية ممثلي القطاع الخاص والقطاع الأهلي وبعض الأجهزة المعنية، وتوضع له خطط واستراتيجيات لدعم العمل الاجتماعي. واقترحت استقطاع نسبة من الضرائب المفروضة على الشركات الأجنبية وتحويلها إلى صندوق العمل الاجتماعي.
إن الاعتقاد السائد عند العديد من رجال الأعمال والشركات المساهمة هو أن مساهمتهم الاجتماعية تقف عند دفع الزكاة الشرعية والضريبة الرسمية على الشركات الأجنبية، وأن غير ذلك من المساهمات يعتبر تفضلا منهم على العمل الاجتماعي، وهو اعتقاد خاطئ ومرفوض لأن البعد الاجتماعي في العمل والمسؤولية الاجتماعية للشركات هي نصوص في نظام العمل الدولي ولا يمكن إغفالها أو تعطيلها. ومع علمي الشخصي بأن هناك دورا اجتماعيا كبيرا تقوم به بعض الشركات والمؤسسات ورجال الأعمال إلا أنه دور غير مؤسسي وغير منظم، ويتطلب تنظيما رسميا من الدولة لضمان استمراريته وضمان استمرارية العمل الاجتماعي من خلال مؤسساته.
إن الاستجداء عمل غير محبب لدى القائمين على المؤسسات الخيرية أو مؤسسات العمل الاجتماعي. ولولا حبهم للخير طمعا في الأجر من الله لما صبروا على معاناتهم في التعامل مع القطاع الخاص. فلهم منا كل تقدير واحترام، فهم يقومون بعمل رائع لخدمة مجتمعهم وستسجل أسماؤهم بماء من ذهب في سجل الخدمة الاجتماعية، متمنيا أن تتحقق آمالنا في وضع نظام لدعم العمل الاجتماعي من قبل القطاع الخاص وعلى وجه الخصوص الشركات المساهمة ذات الملكية الجماعية.