جدة: ياسر باعامر

بعض المستفتين يلجؤون لـ'تفخيخ' أسئلتهم لأهداف شخصية ومادية

فتوى واحدة، يمكن لها أن تحدث إرباكاً اجتماعياً، وسياسياً، بل وحتى اقتصادياً، وقد يصل تأثيرها وانعكاساتها على مستوى العلاقات الخارجية بين الدول بعضها البعض، خصوصا تلك التي تتعلق بالعلاقة بين المسلمين ومن هم خارج دائرة الإسلام من أهل الكتاب. هذا التأثير إن دل على شيء، فإنما يدل على ما لـالفتوى من حضور في عالم المسلمين، وما لـالمفتين من سلطة رمزية تمتد مفاعيلها على حياة الناس.
هذه الفتاوى تتعدد بتنوع سائليها والمجيبين كذلك، وربما يتغير الحكم في القضية الواحدة، من سائل لآخر، أو من مفتٍ لآخر، والسبب طريقة صياغة السؤال، والحبكة التي تتضمن أحيانا ما يشبه الخدعة، وكأن السائل يوجه المفتي دون شعور من الأخير، ليجيبه وفق ما يريد السائل، و وفق المعطيات التي ضمنها سؤاله، والتي من خلالها، قد يتحول الحكم من الحرمة إلى الحلية، أو العكس!.
ضحية السؤال المفخخ
الوطن استطلعت آراء عدد من علماء الدين، الذي أبانوا أن المفتين ربما وقعوا في بعض الأحيان ضحية سؤال مفخخ أو مُحبك. ويمكن الإشارة هنا إلى حديث سابق للداعية الدكتور فهد بن سلمان العودة، حينما تحدث عن سوء قصد المستفتي، قائلاً نحن في عصر تشكلت فيه الطوائف والأحزاب والمذهبيات بحدة بالغة، والفضائيات - اليوم - ذوبت الحواجز والجدر، والأسوار الفاصلة بين الأفكار والاعتقادات، فأصبح من السهل في برنامج واحد أن يسأل أناس من مذاهب شتى، وفرق متباينة، وكل منهم يجر المفتي، ويستنطقه بما يريد من حق ومن باطل، وكثير منهم لا يسألون رغبة في الصواب ومعرفة الدليل واتباعه. ويستشهد العودة بمقولة ابن القيم يحرم عليه إذا جاءته – أي المفتي- مسألة فيها تحيل على إسقاط واجب، أو تحليل محرم، أو مكر، أو خداع، أن يعين المستفتي فيها، ويرشده إلى مطلوبه، أو يفتيه بالظاهر الذي يتوصل به إلى مقصوده، بل ينبغي له أن يكون بصيراً بمكر الناس وخداعهم وأحوالهم، ولا ينبغي له أن يحسن الظن بهم، بل يكون حذراً فطناً، فقيهاً بأحوال الناس وأمورهم، يؤازره فقهه في الشرع، وإن لم يكن كذلك زاغ وأزاغ.
التحايل في العملية الإفتائية
أستاذ النظرية السياسية، بـجامعة القاهرة، الدكتور سيف عبد الفتاح، واحد من المعنيين بتحليل الفتاوى المعاصرة، وله أبحاث عديدة في هذا المجال، كان آخرها دراسة متعمقة حملت عنوان (منهجية بناء الفتوى والعملية الإفتائية)، يشير خلالها إلى أن التحايل يمكن أن يكون من طرف المستفتي أو المفتي أيضا، قائلا التحيُّل عملية يحاول به بعض أطراف العملية الإفتائية تفريغ القضية الإفتائية من مضمونها وأدوارها، ومن هنا يكون التحيُّل من جانب المستفتي، كما قد يكون من جانب المفتي، خاصة عند خضوعه لضغوط تتعلق بالواقع أو بعضٍ من تفاعلاته.
ويذهب عبد الفتاح إلى ما ذهب إليه العودة في أن المستفتي يمكن أن يوقع المفتي في دائرة السؤال المفخخ، عبر الإيحاء بجواب معد في ذهنية المستفتي، معتبرا أنصياغات السؤال الإفتائي بشكل موحٍ، تستثير عناصر غدد الفتوى، أحيانًا يتضمن السؤال خطوط بعض إجاباته، وعلى جلالة قدر المفتين، فإن البعض يقع في فخ السؤال، ومن هنا وجب على المفتي أن يفحص عناصر السؤال، ويتعرف على صاحب السؤال وعلاقته به، وقد يكون عليه إعادة صياغة القضية بطرح الأسئلة كما يجب أن تُطرح، مركزا على نقطة مهمة، وهي قدرة المستفتي على تحويل فتاوى الأمة إلى فتاوى فردية، فعلاقة الخاص بالعام عملية غاية في الأهمية، واستحضار ذاكرة الفتوى تراثيًا، واستصحاب حال المفتي والقضايا التي تُعرض عليه وقدرته على تحويل السؤال ضمن دائرة العام.
الأسئلة الموجهة
مقدم برنامج فتوى، بقناة دليل الفضائية بندر المساعد، تحدث إلى الوطن، حول الأسئلة التي تطرح على مجموع العلماء في برنامجه الأسبوعي، وعن طبائع بعض المستفتين في تعميم بعض أسئلتهم الخاصة لجمهور الناس، ويستشهد بأحد تلك الاتصالات، ويتمحور سؤاله، حول حكم دعاء الابن على والده إذا كان مظلوماً، وهل تستجاب الدعوة، حيث أجاب الشيخ أنه يجوز له ذلك، وتجاب الدعوة – بإذن الله- في كونها دعوة مظلوم، وليس دعوة ابن، ثم انتهت المكالمة على تلك الإجابة، ليتصل نفس المتصل مرة أخرى في نفس الحلقة، بناء على إجابته السابقة من قبل الشيخ، ليسأل سؤالا آخر متصلا بسؤاله السابق، ليقول هل يجوز بناء على دعوة الابن على والده إذا كان مظلوماً، الدعاء (على رئيس دولتي)، حيث أغلق المتصل فوراً بعدها، فأجاب الشيخ من أنه لا يحق لك ذلك، وما هي براهينك على أنك مظلوم. ويستشهد المساعد بطلب إحدى المتصلات من الشيخ المفتي، إجازة استخدام خلطة أم صالح الشعبية -خلطة شعبية تستخدمها النساء لتحسين جمالهن- وما شابه ذلك من أسئلة، للسائل منها غايات محددة، تصل أحيانا لاستخدام الفتوى في التسويق والترويج للسلع.
ويقر المساعد بوجود مستفتين يستخدمون الأسئلة الموجهة، لا الأسئلة الاستفتائية، أثناء طرحها على العلماء.
الاستدراج الاستفتائي
ويوضح الدكتور سيف عبد الفتاح، أن من عناصر الاستدراج الاستفتائي، هو ما أطلق عليه بـحواري الفتاوى، ضمن متاهات الفعل والحدث. وهى أمور تكر على أصل القضية، وأصل السؤال، وتفرغ الفتوى من مضمونها، وهو أمر يشكل واحدًا من مداخل وآليات التحيُّل في العملية الإفتائية، حينما تطغى الفروع على الأصول في الفتوى، من دون مسوِّغ في عملية استدراج وجب على المفتي أن يعيها فيرد الأمر للأصل، ولا يساير المستفتي.

أسئلة مربكة
تتنوع الفتاوى التي يتحايل فيها السائلون، ليحصلوا على أجوبة تتناسب وما يبتغونه من إجابات. ومن تلك الأمثلة، الفتاوى الخاصة بشؤون النساء ولبسهن، فذات مرة، تصف السائلة نوعا من العباءات، بأنها محتشمة، تستر جسد المرأة، ولا تلفت أنظار الرجال، ولا تبرز المفاتن، ليأتي الجواب بـلا إشكال في ارتداء هذا النوع من العباءات، في حين تسأل فتاة أخرى، مفتيا عن ذات النوع من العباءات، بصيغة مختلفة، فتقول ما حكم لبس المرأة لعباءة بألوان زاهية، تبرز مفاتن المرأة، وتكون مفصلة لجسدها، ما يلفت أنظار الرجال؟، ليكون الجواب بـالحرمة، وعدم الجواز. وفي المثال السابق يتضح كيف أن السائل وجه الجواب، وفق المقدمات التي أوردها في سؤاله.
مثال آخر، يتعلق بالجدل الأخير الذي شهدته الساحة حول إباحة أحد علماء الدين لـالغناء والمعازف، وهي الفتوى التي اعترض عليها عدد كبير من الدعاة. إلا أنه في الوقت ذاته، مثلت سندا، ومخرجا شرعيا لأصحاب الفرق الغنائية في الأعراس، الرجالية كما النسائية، الذين وجدوا أنها ترفع عنهم الحرج، ومن شأنها أن تزيد من دخلهم المادي، في استخدام نفعي للفتوى، كونهم لجؤوا إليها ربما ليس لالتزام ديني لديهم، بل لمصلحة ذاتية ودنيوية.