أطفال اليوم غير أطفال الأمس؛ أطفال اليوم يتعلمون بوسائل لم يعرفها أطفال الأمس، ويتفاهمون بوسائط لم تخطر في بال السابقين. ومهمتنا هي أن نحسن تشكيل وعيهم الثقافي، وننمي اهتماماتهم العلمية، وقدراتهم الإبداعية، وأساليب تفكيرهم، ونستثير الجوانب الخلاقة فيهم
تهتم الشريعة كثيراً بالمولود وحقوقه، وقد جعلت في مقدمة هذه الحقوق إحسان اختيار كل من الوالدين للآخر، كما جعلت (من) أهم حقوقه عند بروزه إلى الدنيا، السرور به، والتهنئة بولادته، والاحتفاء بمولده. ـ من أشهر صيغ التهنئة بالمولود ما نقله الإمامان النووي والطبراني عن مجموعة من الصحابة رضوان الله عليهم: بارك الله لك في الموهوب، وشكرت الواهب، وبلغ أشده، ورزقت بره، أو: جعله الله مباركاً عليك، وعلى أمة (سيدنا) محمد. والرد بصيغة: بارك الله لك، وبارك عليك، وجزاك خيراً، ورزقك مثله، وأجزل ثوابك ـ .
ومن أهم حقوق المولود إحسان تربيته وتعليمه؛ إذ إن على والديه ـ أو من يحل محلهما ـ تربيته تربية متوازنة، وتعليمه الطاعات، وتدريبه على فعلها، ومنعه عن أي سلوكيات ضارة، والتدرج في توجيهه إلى ما ينفعه، باستخدام الملائم لمراحل نموه، وغرس العادات الاجتماعية الطيبة فيه، وتنمية شخصيته، وتعميق معارفه، وإعداده ليكون فاعلاً في مجتمعه، ووقايته من الوقوع في الانحرافات؛ (يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وأَهْلِيكُمْ نَارًا وقُودُهَا النَّاسُ والْحِجَارَةُ).
ومن الأحاديث الحاثة على ذلك: ما نحل والد ولده نُحلا أفضل من أدب حسن، وحديث: حق الولد على الوالد أن يعلمه الكتابة، والسباحة، والرماية، وأن لا يرزقه إلا طيبا، وحديث: حق الولد على والده أن يحسن اسمه، ويعلمه الكتاب، ويزوجه إن أدرك، وحديث: أكرموا أولادكم، وأحسنوا أدبهم.
الحقوق العالمية والمحلية المدونة للطفل لم تذكر، أو تفصل حقوقاً مهمة، فعلها صلى الله عليه وسلم. ومن ذلك (التأذين والإقامة) حين الولادة مباشرة؛ يؤذن في أذن المولود اليمنى، وتقام الصلاة في أذنه اليسرى. والسر هو أن يكون أول ما يقرع سمعه ـ كما يقول الإمام ابن القيم ـ كلمات النداء العلوي المتضمنة لكبرياء الرب وعظمته، والشهادة التي أول ما يدخل بها في الإسلام. ومن حقوق المولود الشرعية أيضاً (التحنيك) عقب الولادة، بدَلك حنَك المولود بالتمرة أو بأي حلو، وفي ذلك ما فيه من تقوية لعضلات فمه، وتهيئته للرضاع. ومن نفس هذه الحقوق (حلق رأس المولود) يوم سابعه، تقويةً للرأس، وفتحاً للمسام، وتقويةً لحواس البصر والشم والسمع، ثم التصدق بوزن الشعر فضةً أو ذهباً، شكراً لله، وتقرباً إليه سبحانه ـ بعض الحنابلة يرون عدم حلق شعر المولود الأنثى، والحنفية ذهبوا إلى أن حلق شعر المولود في سابع الولادة مباح؛ لا سنّة ولا واجب ـ .
ومن الحقوق (إحسان تسمية المولود، وتكنيته بأبي.. أو أم..) يوم سابعه، وفي الحديث: إنكم تدعون يوم القيامة بأسمائكم، وبأسماء آبائكم، فأحسنوا أسماءكم. ومن الحقوق الهامة التي لم تفصل؛ (العقيقة) عند يوم سابعه؛ عن الغلام شاتان، وعن الأنثى واحدة.. ـ للفقهاء تفصيلات في ذلك ـ قرباناً إلى الله، وفديةً من غوائل الزمان، وإظهاراً للفرح، وتقوية للروابط.
أخيراً؛ لا بد أن أنوه إلى أن أطفال اليوم غير أطفال الأمس؛ أطفال اليوم يتعلمون بوسائل لم يعرفها أطفال الأمس، ويتفاهمون بوسائط لم تخطر في بال السابقين. ومهمتنا هي أن نحسن تشكيل وعيهم الثقافي، وننمي اهتماماتهم العلمية، وقدراتهم الإبداعية، وأساليب تفكيرهم، ونستثير الجوانب الخلاقة فيهم، وندربهم على اكتساب حب القراءة، ونساعدهم على التخيل الإيجابي. وقبل هذا وبعده، الدعاء لهم بمثل: اللهم أصلح أبناءنا وبناتنا، وأدرر على أيدينا أرزاقهم، وأعنا على تربيتهم، وبارك فيهم، ولا تضرهم، وارزقنا برهم، وسلمهم من شر الأشرار، آناء الليل، وأطراف النهار.. آمين يا رب العالمين.