مخطئ من يظن أن كرة القدم مجرد لعبة يلهث خلف متابعتها عشاق الساحرة المستديرة في كل أنحاء العالم، ومخطئ أيضا من يتوهم أن كرة القدم تحولت من مجرد لعبه ترفيهية إلي لعبة ومنظومة اقتصادية كبرى فحسب، فقطعة الجلد المنفوخة باتت أيضا لعبة سياسية، ولعل توابع نجاحات وإخفاقات كل المنتخبات التي شاركت في مونديال جنوب أفريقيا خير شاهد ودليل. كأس العالم تسببت في أن تهز قصور الرئاسة في عدد من الدول علي وقع نتائج منتخباتها في المونديال، فقد تحولت البطولة الأكبر والأعظم إلى شأن من شؤون سياسة الدولة, وكما جرت العادة كان هناك تدخل من حكومات الدول مثل نيجيريا، لكن سياسيين من دول كبرى مثل فرنسا وإيطاليا وإنجلترا أدلوا أيضا بدلوهم هذه المرة، وبدأ تشكيل لجان برلمانية في هذه الدول لتحليل الأسباب وراء الأداء السيىء لمنتخباتها في جنوب أفريقيا.
قصر الأليزيه وكانت البداية في فرنسا حيث تدخل الرئيس نيكولا ساركوزي وعقد لقاء مع مهاجم الفريق الفرنسي تيري هنري بناء على طلب عاجل من الأخير لكشف أسباب كارثة الديوك الزرقاء في المونديال، حتى إن قصر الأليزيه أعلن أن ساركوزي غير من أجندته من أجل هذا الخطب الجلل، قبل أن يبادر الاتحاد الدولي لكرة القدم فيفا بتحذير السياسيين الفرنسيين من التدخل في شؤون كرة القدم، لكن هذا لم يمنع وزراء فرنسيين من الإعراب عن قلقهم بشأن مستقبل المنتخب الفرنسي الذي خرج بشكل محرج من دور المجموعات, وقالت وزيرة الرياضة الفرنسية روزلين باشلو إن اللاعبين شوهوا صورة فرنسا، لم يعد من الممكن أن يكونوا أبطالاً لأطفالنا. ووجه سياسيون من دول أخرى أيضاً انتقادات لاذعة لمنتخباتها التي شاركت في البطولة.. وقال رئيس تحرير صحيفة كيب تايمز الجنوب أفريقية تايرون اوجست لم يعد يتبق شيء من جمال كرة القدم بعد أن أصبح الملعب ساحة معركة، وأضاف بأن كأس العالم تمثل مؤشراً رئيسيا على الشجاعة الوطنية والفخر الوطني، وهو شكل جديد من أشكال الحرب. وفي أوروبا، كان الأمر أشبه بمعجزة حينما لم يحدث قطع للعلاقات الدبلوماسية بين أيرلندا وفرنسا بعد أن أحرز هنري هدفاً بيده صعد به المنتخب الفرنسي للنهائيات وحرم أيرلندا من التأهل. وكانت بطولات كأس العالم دائماً أكثر من كونها الحدث الرياضي الأكبر في العالم بالنسبة لألمانيا، كان لقب كأس العام عام 1954 خطوة هامة في العودة إلى حظيرة الدول المتحضرة عقب كوابيس الحقبة النازية, وشنت هندوراس والسلفادور حربا بسبب مباراة تأهيليه لكأس العالم عام 1969، في حين اعتبرت الانتصارات الأولى لدول آسيا وأفريقيا في كأس العالم دليلاً على دورها المتزايد. وكان وزير الداخلية الألماني فولفجانج شويبله أشاد بقوة في عام 2006 بأن بطولة كأس العالم التي استضافتها بلاده هي أفضل قمة للاندماج, ولا يزال وزن وأهمية الحدث العالمي تتزايد، ويبرز دور البطولة كعامل لتأكيد الهوية في ظل العولمة التي يشهدها العالم وهو ما يساعد على تشجيع الشعور بالهوية الوطنية. ويتجمع ملايين من مشجعي كرة القدم حول العالم لمتابعة مباريات المونديال في الأماكن العامة، ولا يفترض أن يكون مثيراً للعجب أن يسرع رؤساء الدول إلى ساحة المعركة المعروفة بكأس العالم للإعراب عن دعمهم المعنوي للقوات في الملعب، أو أنهم قد يتخذون إجراء صارما للإعراب عن عدم رضاهم عن الأداء السيئ لمنتخبات بلادهم كما فعل الرئيس النيجيري جودلاك جوناثان الذي اصدر فرمانا بتعليق مشاركة منتخب بلاده في المسابقات الدولية خلال العامين المقبلين بعد أن خرج من البطولة بدون تحقيق أي انتصار في الدور التمهيدي.. قبل أن يتراجع على خلفية تهديدات الاتحاد الدولي للعبة، بعد أن سحب الاتحاد النيجيري لكرة القدم الثقة من رئيسه ساني لولو ونائبه امانزي أوجبلام في محاولة لإرضاء رئيس الدولة الغاضب بسبب خروج منتخب بلاده من الدور الأول.
ألاعيب سياسية
إشادة وزير الداخلية الألماني بأهمية كأس العالم في دمج وتوحيد الشعوب، لم تمنع الساسة الألمان من توبيخ رئيسة الوزراء ميركل بعد أن قامت بطريقة عفوية بتقبيل رئيس جنوب أفريقيا زوما وهي تحتفل بأحد الأهداف الأربعة التي سحق بها منتخب بلادها نظيره الأرجنتيني في ربع النهائي, في المقابل ذهبت رئيسة الأرجنتين كريستينا كيرشنر لتعلن عن دعمها لمدرب المنتخب الأول دييجو مارادونا ودعته مع لاعبي الفريق إلى زيارتها في القصر الحكومي, وهي بذلك تعالج أثار الاحتفال الألماني بالفوز عليهم. وقالت الرئيسة في بيان رسمي: عندما فازت ألمانيا على الأرجنتين 4-صفر، حزن الأرجنتينيون كثيرا. أطلب قوة الصبر من مارادونا, المنتخب والبلاد ولو أن الحزن سيستمر. وعبرت السيدة كيرشنر على غرار معظم الأرجنتينيين عن تقديرها للمدرب اتصلت به بعد مؤتمره الصحفي, لكنه عجز عن الكلام لأنه كان يبكي. لم يقدم لنا أحد سعادة مماثلة على أرض الملعب على غرار دييجو أرماندو مارادونا.
واستقبل تصريح الرئيسة بصيحات من الفرح من قبل الحشود في سان ميجيل (الضاحية الشمالية في بوينوس أيرس والتي شهدت هتافات الجماهير المؤيدة لبقاء مارادونا أولي, أولي, أولي, أولي, دييجوووو, دييجووووووو.
في الوقت الذي تقدم المدير الفني للمنتخب الشيلي، الأرجنتيني مارسيلو بييلسا، باعتذار عن موقفه الفاتر خلال الزيارة التي قام بها أعضاء المنتخب إلى قصر لامونيدا مقر الحكم في البلاد.
وعبر رسالة نشرها الاتحاد الشيلي لكرة القدم على موقعه الإلكتروني، أشار المدرب الأرجنتيني إلى أن تحيته الخاطفة للرئيس سباستيان بينييرا لم تكن تنم عن قلة احترام.. وقالت الرسالة فيما يتعلق بزيارة المنتخب الوطني لكرة القدم إلى قصر لامونيدا، كنت أرغب في أن أطلب عدم تفسير موقفي كقلة احترام تجاه السلطات التي كانت تقوم بتكريم الفريق. وأضاف لم تكن نيتي على الإطلاق خلق أي وضع قد يعكر صفو لحظة خاصة ومؤثرة مثل التي وقعت، لدى إعراب الجميع عن حبهم للاعبين الذين مثلوا تشيلي في المونديال. وأنهى المدرب الأرجنتيني بذلك الجدل الذي أثير داخل الأوساط السياسية التي هبت للدفاع عن بينيرا, بل إن أحد العمد المحليين ويدعى بدرو سابات أوصى بإلغاء تأشيرة العمل الخاصة ببيلسا كي يرحل عن البلاد.. لذا أعرب المدير الفني عن اعتذاره لمن ربما شعروا بالتأثر جراء موقفه.
وقال في ختام رسالته أتمنى كذلك الاعتذار للشيليين الذين شعروا بعدم الراحة تجاه تصرفي، ولاسيما بالنظر إلى كل ما حصلت عليه من مواطني هذا البلد. وتشعر الجماهير الشيلية بالرضا عن أداء منتخب بلادها في مونديال 2010 رغم خروجه من دور الـ16 على يد البرازيل بالهزيمة صفر/3، وهو ما دفع الاتحاد إلى التفاوض مع بييلسا للاستمرار في منصبه .
إحراج برازيلي
الخروج المفاجئ لمنتخب السامبا البرازيلي عكر صفو الجولة التي قام بها الرئيس البرازيلي لويس ايناسيو لولا دا سيلفا في القارة السمراء بدأها بزيارة الرأس الأخضر، بعد أن طاردته وسائل الإعلام للحصول على تعليقه على خيبة الأمل في منتخب بلاده.
ورداً على سؤال صحفي عن الأداء السيىء لمنتخب البرازيل في مونديال جنوب أفريقيا، قال لولا بلهجة مرحة البرازيل أقصيت وأفريقيا أيضاً، آمل أن يبلغ منتخب أفريقي الدور النهائي في المونديال القادم في البرازيل، وأن تفوز البرازيل بالكأس.
وبدت هذه اللهجة المرحة متناقضة مع الحزن الذي أصاب لولا بعد فشل منتخب البرازيل الفائز خمس مرات بكأس العالم، في تخطي هولندا في الدور الربع النهائي. وقال مدير مكتبه جيلبارتو كارفاليو إن لولا ذهل لنتيجة المباراة.