هذه الفئة التي وجدت نفسها فجأة وسط ظروف صعبة وقاسية وأليمة وأعني بهم نازحي الحد الجنوبي في منطقة جازان بعد مرور سنة على انتهاء الحرب مع الحوثيين

عشية الكلمة الملكية بعد ظهر الجمعة الماضية وما تبعها من أوامر أسميها فتوحات عظيمة فتح بها خادم الحرمين الشريفين على شعبه الحبيب الوفي، وبمجرد أن بث الديوان الملكي إعلاناً بأن والدنا الملك عبدالله سيخاطب أبناءه وبناته شعب المملكة بكلمة يعقبها عدد من الأوامر الملكية، كتبتُ على صفحتي في الفيس بوك السطور المقتضبة التالية:
إنها أول مرة، يعلن فيها الديوان خبراً كهذا وليس مرتبطاً بمناسبة ما سيلقي فيها الملك خطاباً كما جرت العادة حتى لو كان الخطاب سيأتي على مسائل تخص الشعب كما يحدث في خطابه في مجلس الشورى.
خطاب يوم غد خطاب مختلف، إنه خطاب من نوع خاص جداً بين أب وأبنائه بين قائد وشعبه بين راع ورعيته!
نعم غداً الجمعة هو يوم التحول بالنسبة لنا كسعوديين لكن دون ثورة دون فوضى دون شعارات الحركات الدينية والسياسية.. وأجمل التحولات وأكثرها أثراً وبناء للأوطان هي التي تحدث بالحب وتنطلق بالممارسة لا الشعار!
غدا.. وعدنا الأجمل.. حفظ الله الملك عبدالله وأمده بمزيد من الحكمة والعون والقوة...
وفعلاً كان يوم الجمعة الفائت يوم التحول في حياة المجتمع السعودي، ولا أظنني بحاجة إلى تكرار الكلام حول كلمة الملك وحول أوامره فقد أفاض فيها الكثير من الزملاء والمحللين والمتابعين بما يغني عن كل كلام، ولكن مسؤوليتي الاجتماعية ككاتب ومواطن، تحتم عليّ نقل صوت هذه الفئة التي وجدت نفسها فجأة وسط ظروف صعبة وقاسية وأليمة وأعني بهم نازحي الحد الجنوبي في منطقة جازان بعد مرور سنة على انتهاء الحرب مع الحوثيين، فالنازحون الذين خرجوا من بيوتهم وأراضيهم يعيشون أوضاعاً مريرة ومشكلاتهم في ازدياد لا نقصان.
وهنا ألخص همومهم التي بعثوها إليّ في مجموعة من النقاط وأضعها على الطاولة، وهي معاناة تستحق النظر والمعالجة السريعة من جذورها:
1 – التأخير الدائم في صرف الإعانة عموماً وكان من المفترض صرفها في بداية شهر صفر الماضي وإلى الآن لم تصرف لبعض الأسر حيث ابتكرت وزارة المالية آلية غريبة في تحويل مستحقات النازحين فهي تحول أولاً لمن حسابه في بنك الراجحي ثم يأتي دور من حساباتهم في البنوك الأخرى لينتظروا بالشهر والشهرين.. وبسبب تأخير صرف الإعانة نشبت مشاكل عدة بين المستأجر النازح وأصحاب العقار.. حيث يهدد الثاني الأول بطرده للشارع هو وأسرته أو سداد قيمة الإيجار المرتفعة.. وكانت الضحية الأسر الكبيرة بالطبع!
2 – ارتفاع أسعار العقارات.. فمتوسط إيجار شقة صغيرة غير مؤثثة ثلاثة آلاف ريال في الشهر! أما المؤثثة فمتوسط الإيجار ستة آلاف ريال! وليت الأمر وقف عند ذلك فهناك خرائب تم ترميمها بشكل مستعجل اضطر النازحون إلى استئجارها بأسعار خرافية بسبب قلة المساكن وكثافة الأسر النازحة فاستغل أصحاب العقار هذا الأمر في رفع قيمة الإيجار! ولا تنسوا الدفع المقدم لمدة ستة أشهر! لو أن لي كالطير بيتا!
3 – تم تحويل ملفات حصر الأضرار إلى المحكمة العامة في أحد المسارحة حيث تم انتداب قاض واحد فقط ليقوم بإثبات تملك ما يقارب خمسة آلاف ملف ولا يزال عملها ممططاً كذلك إلى بعد غد!
4 – فوجئ النازحون عند السماح لهم برؤية منازلهم لحصرها إلى خلوها التام وتخريبها ونهب كل ما فيها ابتداء بالخصوصيات والوثائق الرسمية وانتهاء بالأثاث والأجهزة الكهربائية!
5 – فجأة وبلا مقدمات تم إيقاف صرف الإعانة المخصصة للنازحين العزاب ـ ذكوراً وإناثا ـ فالفئة العمرية العزابية التي تقع بين سني 18 إلى 30 عاما تم التوقف عن الصرف لهم.. وكان من أبرز ضحايا هذا القرار المجحف اليتيمات.. والغريب أن المالية قبل قرار الإيقاف وجهوا الجميع لسرعة فتح حسابات بنكية لصرف الإعانات آلياً وبعد مراجعات مـضنية للمدينة جازان والوقوف في طوابير طويلة وبعد فتح الحساب قالوا لهم: اتكلوا على الله لا يوجد للعزاب شيء..
6 - الأسر التي توجد لديها إثباتات على سعوديتها ـ كمعاملة تحت الإجراء في الأحوال المدنية أو صكوك حصر وتملك أراضي ـ تم تجاهلها بالكامل حيث تصرف الإعانات ـ على بطئها ـ لمن لديه سجل مدني فقط.. و80 % من تلك الأسر السعودية غير المثبتة رسمياً لم تستلم شيئاً.
7 – الإعانة المخصصة للأسر النازحة سـنوياً 60 ألف ريال للمتزوج مع أبناء عددهم أقل من عشرة و70 ألف ريال لمن لديه أكثر من عشرة أبناء !! تخيل أنت وزوجتك فقط ورجل لديه جيش من الأطفال والنساء والفارق 10 آلاف ريال فقط .. لا تنس 40 ألف ريال تذهب للإيجار ناهيك عـن فواتير الكهرباء فكيف يتدبر أمره من ليس لديه عمل هل تكفي 20 الف ريال المتبقية مصاريف أسرة لسنة كاملة !!
8 - ويشتكي النازحون من البطء والإهمال والبيروقراطية في كل الإدارات الحكومية المرتبطة بهم بل يتهمون كثيرا من تلك الإدارات بأنها لا تعرف الآلية التي تسير عليها بل تترك الأمر اعتباطا.
9 - هناك حالة اجتماعية مقيتة من التنافر حيث يرى أبناء المنطقة في النازح بنكاً متحركاً ـ معذورين ما يعرفون البير وغطاه ـ وبين النازح الذي يشعر بالألم من إجراءات حكومية تبقيه على الرمق والفقر، كما يشعر بالابتزاز من أبناء مـنطقته وهو يراهم يستغلونه أبشع استغلال وليتهم توقفوا عن ذلك بل يعتبرون كلمة نازح مسبة وعاراً! وأكثر المتضررين هنا هم الأطفال.
10- يتساءلون أخيراً: ما هو مصيرهم؟! هل سيعودون إلى بيوتهم وأراضيهم؟ ومتى؟