يتوسط أشهر شوارع العروس ويجمع فنون العمارة الكلاسيكية والمعاصرة
مع الحمراء ربما حي الروضة بجدة هو الحي الوحيد الذي لا تحتاج للوصول إليه إلى دليل، فهو إلى جانب كونه حي الأثرياء وعلية القوم كما يقولون بالفصحى، هو أيضا الحي الذي تجد فيه صنوفا عديدة من فنون العمارة، من الطراز العربي الكلاسيكي وحتى أكثر صرعات الفن المعماري معاصرة، وأكثره بذخا، حتى يكاد ينطبق عليه قول الشاعر العباسي وهو يصف بغداد لو حلها قارون رب الغنى ... أصبح ذا هم ووسواس، يتوسط حي الروضة منتصف مدينة جدة، وتحيط به من جهاته الأربع أكثر الشوارع شهرة، فمن شماله يمتد شارع صاري الذي تتمركز فيه أسواق السلع الثمينة ومحلات الأزياء الحديثة والراقية وأشهر الماركات العالمية، أما في جنوبه فيحده شارع الأمير محمد بن عبدالعزيز الشهير بشارع التحلية، وهو الشارع الأكثر شهرة في جدة، والذي لسبب ما يفضله الشباب لعرض آخر فنون صرعاتهم الغريبة من الأزياء وحتى قصات الشعر ناهيك عن ابتكارهم فنون لا تنتهي من الغزل، وإذا ذهبنا شرقا نجد شارعا عريضا تقطعه السيارات بسرعة مدهشة كأنهم يسيرون على سكة قطار، فتعرف أنك في طريق المدينة الشهير، لكن أكثر الشوارع هدوءا وربما أكثرها استقراطية هو شارع الأمير سلطان الذي يحد الحي من الغرب.
داخل هذا المربع الشهير يقع حي الروضة الذي تبدأ أسعار الأرض فيه من ثلاثة آلاف ريال للمتر الواحد، ولا تنتهي بعشرة آلاف على ما يقول عمدته الشاب محمد اليامي.
قد نعتقد أن حيا مثل هذا لا يشكو شيئا، ولكن حين نتذكر أننا في جدة فلا بد أن شكوى ما قد تطل علينا من بين فرجات فلله وقصوره الفخمة، فعلى الرغم من أن الحي تسكنه النخبة الثرية من سكان جدة، إلا أنه مثل جميع الأحياء بما فيها تلك الفقيرة يفتقر إلى الصرف الصحي، هاهنا العدالة توزع بؤسها على الجميع بالتساوي، زادت على هذه المشكلة مشكلة التصريح بتعدد الأدوار، ومن يومها كما يصرح العمدة بذلك بدأنا نعاني من طفح المجاري وازدحام في مواقف السيارات، فالمبنى الذي كان يضم خمس أسر صار بعد تصريح تعدد الأدوار يضم عشرين أسرة، وهذا سبب ضغطا كبيرا على الخدمات، وثمة مشكلة ثالثة هي وجود مبان قديمة مؤجرة للعمال، وقد حاولنا التفاهم مع ملاكها دون جدوى، فكلما أفرغناها من مستأجريها الفقراء جاؤوا بمستأجرين جدد.
مشكلات مثل هذه تبدو صغيرة أمام المشكلات الكبيرة التي تعاني منها مدينة جدة، ولكن لماذا يجب علينا أن نكون مجاملين لمن بيدهم الحل، ففي حي الروضة يسكن أكثر الناس ثراء وأكثرهم نفوذا، فهناك أمراء وتجار كبار ومسؤولون في الدولة حتى أمناء مدينة جدة يقيمون في هذا الحي، ومن أبرز الأسماء عبدالمقصود خوجة، أسرة إسماعيل أبوداود، صالح التركي أسامة الخريجي، محمد الراجحي، منصور البلوي، وإذا شئت أن تعد فلن تنتهي من عد أصحاب الملايين، وأصحاب السلطة والنفوذ، لذلك لن نكون مجاملين، ونقول: إن الحي مثله مثل باقي أحياء جدة، فهو بالنسبة لأكثرية الأحياء يعد حيا نموذجيا، ويكفي أن ترى مبنى مركز العمدة الفخم حتى تدرك الفارق بينه وبين بقية الأحياء.
يقول عمدة حي الروضة، وهو شاب في السابعة والثلاثين من عمره ومتخرج من جامعة الملك عبدالعزيز: أن وظيفة العمد هي الآن وظيفة رسمية تتبع وزارة الداخلية وتضطلع بمهام أمنية واجتماعية، وحين يحدثنا عن حي الروضة بتلك الروح المعجبة تتمنى لو أنك من سكان هذا الحي، فهناك إلى جانب الرقابة الأمنية تقص جاد عن أحوال السكان فيه.
ويضيف العمدة: هناك من يسكنون الفلل، ولكنهم في الواقع مستوري الحال، وقد قمنا بتأسيس مركز حي الروضة إلى جانب مركز الحي، وكل منهما يقوم بمهام اجتماعية، حيث يعمل الجميع كمتطوعين للنظر في أحوال الحي ومتابعة أحول أسره، والعمل على توفر الخدمات لسكانه، فمثلا تبرعت شركة نسمة التي يملكها صالح التركي بإقامة مركز تدريب لسكان الحي من الجنسين، وفيه برامج تدريبية مجانية للسكان على الحاسب الآلي واللغة الإنجليزية، كما افتتحنا مركزا لتعليم النساء الراغبات فن التطريز، ونحن نبحث الآن إقامة مركز تدريب للفنون الجميلة خاص بالفتيات.
أكثر ما يواجه مركز الحي هي المشاكل الأسرية، فهي للأسف كثيرة، ولدينا لجنة بمركز الحي لإصلاح ذات البين، ومع زيادة عدد السكان زادت مثل هذه المشاكل، كما يوجد في حي النهضة 4 مدارس حكومية للبنين والبنات وعدد كبير من المدارس الخاصة ذات الطابع الدولي، وباعتباره من أكثر الأحياء غلاء في السكن، حيث تبدأ بثلاثين ألف ريال للشقق الصغيرة، ولا تنتهي بمئتي ألف للفلل، فهم بالتالي من الأثرياء، لذلك فإن معظم سكانه يفضلون المدارس الخاصة، وهي كثيرة في الحي.
ينهي عمدة حي الروضة محمد اليامي حديثه لـلوطن بالقول: بقي علينا الآن توفير ملاعب للشباب، وحدائق مفتوحة للعائلات، فنسأله بدهشة وهل هي غير موجودة؟ فيجيب أن هناك أراضي كثيرة لأمانة جدة، ونعمل على أن تمنحنا بعضها لإقامة ملاعب عليها أو تشجيرها، ثم لا تملك إلا أن تنظر حولك لتجد أن معظم أبنية حي الروضة هي فلل وقصور فتقول لنفسك: حسنا، لكن ماذا عنا نحن سكان الأحياء الفقيرة والمتوسطة؟