منذ منتصف التسعينات، انتشرت القنوات الرياضية المتخصّصة، ومع انتشارها استقطبت العديد من المحلّلين الرياضيين الذين ينتمون إلى غير فئة.
بينهم إعلاميون رياضيون، ولاعبون سابقون، ومدربون، وحكام.. ولكل منهم ميوله وتعصّباته السابقة والحاليّة، ليختلط الحابل بالنابل، وتُعتسف الأمور اعتسافاً بحسب الميول والأمزجة.
بأم أعينهم وأبيها، يشاهد الجميع مباراة في كرة القدم، ومن البدهيّات ألا يشاهد المباراة إلا من كان يملك الحد الأدنى من الثقافة الرياضيّة، وهي صفة يتصف بها حتّى الأطفال.
قبل المباراة، وبين شوطيها، وبعدها، يظهر المحلّلون الرياضيون، وهم ـ في الغالب ـ يصفون ما كان في المباراة وصفاً دون الواقع، أو يتوقعون ما يكون توقّعاً خاضعا للأمنيات، لا للمعطيات.
بين الشوطين، يجمع المحلّلون على أن الفريق المتقدّم ـ ولو بهدف جاء عن طريق الصدفة ـ كان منظّما وأن عناصره مكتملة، وأن المدرب أحسن في التعامل مع ظروف المباراة.
بعد المباراة، يجمعون ـ أيضاً ـ على أن الفريق الفائز استحق الفوز، وأن مدرب الفريق الخاسر أخطأ في إشراك فلان، ولم يحسن التعامل مع ظروف المباراة، مضيفين أن أرضيّة الملعب لم تكن ملائمة، وكأن الفريق الفائز كان يلعبُ على ملعب آخر.. وإن كان الخاسرُ فريقاً كبيراً قالوا: إنه لم يحترم الخصم.
وإذا لم يجد المحلّلون كلاماً جديداً حول المباراة، ابتكروا قضيّة هامشية، أو تقليعة جماهيرية يخوضون فيها مع الخائضين، ليكون تحليلهم مثيراً، وليكونوا هم بؤرةَ الحدث، عوضاً عن الحدث نفسه، وقد يتجاوزون ذلك إلى افتعال خلاف بين اثنين منهم، أو أكثر، لئلا يبقى الوقت التلفزيوني فراغاً، وكي تجد الصحافة الرياضيّة طبقاً دسما، يجعل المباراة هامشاً، والخلاف متناً.
أجمل ما في التحليل الرياضي أنّه مصحوبٌ بلقطات من المباراة، وليت القائمين على تلك القنوات يستعيضون عن التحليل بملخّص مونتاجي للمباراة.
المحلّل الرياضي غير المتخصّص في المسائل الفنّيّة، لن يقدم جديداً، بل إنه قد يقلب الحقائق، ويقع في أخطاء معرفية وفنية تجعل من التحليل عكّاً، وتبعد المشاهد عن المعلومة الصحيحة.
لا اعتراض على وجود التحليل الرياضي، وإنما الاعتراض على إسناده إلى غير القادرين على منحه الصفة العلميّة التي تجعله متجاوزاً لرؤى المشاهدين.