الصحافة السعودية أدت دورها لتكون صدى للمواطن وشكواه عبر ما نشرته من أخبار وتحقيقات صحفية، وهو الدور الذي ينبغي ألا تكف عنه أبدا بعد القرارات الملكية لمرحلة تُدشن حربنا على الفساد

في خطابه الصادق من القلب والفكر لخدمة الشعب السعودي، أشاد أبو متعب خادم الحرمين الشريفين يوم الجمعة الماضية، جمعة الخير 18 مارس، بدور العلماء و بأهل الفكر والرأي في كلمته المختصرة التي وجهها بكل حب لشعبه الكريم، واختيار يوم الجمعة لها وبعد صلاتها ولأول مرة، فإنما هو إمعان في صدق وأهمية الرسالة التي يحملها خطابه، وما تبعه من قرارات ملكية تؤسس لمرحلة جديدة في حياة السعوديين، هي مرحلة حربنا على الفساد، والتي دشنها بقرار إنشاء هيئة وطنية لمكافحة الفساد ومحاسبة كائن من كان، لها من الأهمية ما جعل مسؤولها الأول بمرتبة وزير، وآليتها بإشراف مباشر منه شخصيا، وعلى إيجاز خطابه واختصاره حمل مسؤولية أمانة كلمة الحق لمن خصهم بشكره، إنه شكرٌ بما يشبه التكليف بالمسؤولية والثقة، وهم العلماء الذين يحملون أمانة الدين، ومفكرو وكُتاب الرأي في الصحافة والإعلام الذين يحملون أمانة الفكر والعقل. والملك بإشادته وشكره لهم يحملهم معا مسؤولية أكبر تتطلبها مرحلة ما بعد القرارات الهادفة لتحسين حياة الشعب السعودي المعيشية والتنموية، وهي مسؤولية تُحتم على هؤلاء وهؤلاءكائنا من كان تحري الحق والصدق الذي أشار إليه أبو متعب في كلمته، وإن كلفهم ذلك مصالح شخصية ورغبات وأهواء إنسانية لا يبرأ منها إلا الأنبياء.
وكما قلت إن صدور القرارات الملكية يوم الجمعة واختيار توقيتها بالذات، هو إمعان في التذكير بأهمية أمانة المسؤولية لمن وُجه له مهام تنفيذها من وزراء وأمراء مناطق وهيئات، وقد كان مذيعا نشرة أخبار القناة الأولى يلقيانها لقرابة 47 دقيقة من الزمن، بدأت فور انتهاء الملك عبدالله ـ حفظه الله ـ من خطابه القريب من قلوبنا، وتنوعت في امتيازاتها بما يمس احتياجات السعوديين والسعوديات التنموية والمعيشية والخدماتية في المجتمع. وما أسعدني كثيرا بحكم متابعتي لما ينشر في الصُحف، أن معظم القرارات أظهرت تجاوبا كبيرا وفاعلا مع كثير مما نُشر في الصحافة بموضوعية خلال العامين الماضيين، وعبرت عن طموحات معيشية وتنموية وفقهية يحتاجها السعوديون، لقد كانت صدى صادقا وحريصا لما كان يكتبه زملاء من كتاب الزوايا والرأي والفكر، ممن انشغلوا بهموم المواطن وأمور معيشته ومشاكل المجتمع، ولهذا تأتي كلمة أبي متعب وإشادته وشكره لهم، لتؤكد على دورهم ومسؤوليتهم تجاه الوطن وشعبه.
ولطالما تابعنا أطروحات أهل الفكر والكُتاب في الصحافة ومقالاتهم حول مشكلة الشباب مع البطالة، وتهاون القطاع الخاص في السعودة، ومعاناة المواطنين من القرض العقاري، وسوء الخدمات الصحية المقدمة لهم، ومن جشع التجار ورفعهم للأسعار دون رقيب، وقبل كل ذلك، مقالاتهم في محاربة الفساد المالي والإداري الذي استشرى في كثير من الإدارات الحكومية نتيجة محسوبيات ومجاملات أو لجشع أدى لتهاون بعض المسؤولين في أمانات مناصبهم تجاه مواطنيهم، وقد كانت كارثة سيول جدة عام 1430هـ، الشعرة التي قصمت ظهر الفاسدين، وفتح ملفات الفساد الذي كان الشغل الشاغل لكثير من الكُتاب والصحف ذاتها، فالصحافة السعودية أدت دورها لتكون صدى للمواطن وشكواه عبر ما نشرته من أخبار وتحقيقات صحفية، وهو الدور الذي ينبغي ألا تكف عنه أبدا بعد القرارات الملكية بجُمعة الخير في مرحلتنا التي تُدشن حربنا على الفساد، وأجدها زادت من أعبائها مما يعني أنها تحتاج لزيادة صلاحياتها في المكاشفة والمحاسبة، وهو ما أتمنى أن يتحقق لها في ظلّ ما تم توجيهه ضمن القرارات في مراجعة نظام النشر بالصحافة السعودية، وإضافة ما تحتاج إليه بما يتناسب مع واجبها الفاعل لمحاربة الفساد ما يؤهلها لأن تكون عينا ثالثة للقيادة على مؤسساتها ووزاراتها، ويدا يمنى للهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، وصوتا صادقا لواقع ونجاح إنسان هذا الوطن، وترصد وتراقب بمهنية أخبار تنفيذها في ظلّ توجيهات الملك لمن أوكل إليهم أمرها، فأبو متعب لم يُصدر هذه القرارات إلا ليتم تنفيذها دون تأجيل أو تسويف كما صَدر ذلك مع قراراته التي سمعناها.
أخيرا، إن صدور هذه القرارات الملكية إنما هو تشدين لمرحلة جديدة من حياة الشعب السعودي، هي مرحلة الحرب على الفساد والمحاسبة، والقرارات التي أظهرت تفاعلا كبيرا مع صوت المواطن واحتياجاته خلال ما طرحته الصحافة وكتُابها؛ إنما تدل على أن الديوان الملكي يقرأ ويطلع على كل ما يُكتب فيها، ولا يهمل شيئا أبدا، وأن فريقا مخلصا مع الملك وولي عهده ونائبه الثاني يقومون بواجبهم في إيصال الحقيقة لولاة الأمر بما يخدم الوطن والمواطنين، ولهذا فإن الصحافة السعودية اليوم وكُتابها زادت مسؤولياتهم لتحري الدقة والمعلومة والموضوعية بعد الثقة الملكية فيهم والإشادة بهم، ولأنها مرحلة تخصنا جميعا فعلى المواطنين ألا يترددوا ولا يتكاسلوا بطرح مشكلاتهم مع الإدارات الحكومية والمسؤولين.
شكرا بحجم السماء قد لا تكفي لوالدنا الذي دشن في حياتنا مرحلة وطنية مهمة لمكافحة الفساد والفاسدين، مرحلة وعي بالحقوق والواجبات، شكرا على ثقته بما يطرحه أهل الفكر وكُتاب الرأي في الصحافة، وتشريفه لهم بأن ذكرهم في خطابه الملكي الصادق للشعب السعودي، فهذه شهادة نعتز بها جميعا.