على الرغم من أن النقاشات الحادة حول مفهوم الليبرالية توحي بحركة فكرية متجددة، إلا أن المتفحص لأدوات هذه النقاشات، سيخرج بنتيجة أنها ذات الأدوات التي حوربت بها الحداثة الأدبية (الوجه الأبرز محليا لمفهوم الحداثة)، ولذلك يمكن اعتبار الأمر مجرد اجترار لصراع الحداثة. ويرى محمد المحمود أن الليبرالية تلتقي مع الحداثة في كثير من المبادئ والتصورات. لكن، يبقى بينهما خصوص وعموم، فبعض المبادئ ليبرالية، ولكن ليست حداثية، أو ليست أولوية حداثية، كما أن بعض المبادئ حداثية ولكنها ليست أولوية ليبرالية). ويوضح (قد يكون تراتيب الأولويات وتحديد بُؤر الاهتمام الحقول الرئيسية هي محددات الاختلاف بين المصطلحين. ولا يعني أنهما يحاربان بنفس الأدوات ونفس التفكير أنهما شيء واحد، بل هذا لا يعني أكثر من أن موقف الثقافة التقليدية من الجديد شيء واحد. نسق التفكير عند الاتجاه المحافظ التقليدي هو الذي لم يتغير منذ زمن الحرب على الحداثة، وإلى زمن الحرب على الليبرالية. إنه نسق الانغلاق والرفض لكل ما هو جديد، ولكل ما هو آتٍ من الضفة الأخرى، إن تفكير بنسق قبائلي، بواسطته تحول الفكر إلى قبائل لا يشغلها غير الغزو من جهة، ورد الغارة من جهة أخرى).
ويقترب أحمد بوقري من رأي المحمود لكنه يؤكد أن (بروز مفهوم الليبرالية في مشهدنا الثقافي والاجتماعي ليس بديلاً عن الحداثة بالطبع، فالمفهومان – فعلاً- هما وجهان لتيارٍ تحديثي واحد.. فالحداثة عندما سطعت في الثمانينات كتابةً وتنظيراً وممارسةً فقد كانت تعني بالتجديد الإبداعي والأدبي متفاعلةً مع مثيلاتها في العالم العربي وصدى لها، إلا أن المشهد راهناً أتسع ليشمل الاجتماعي والسياسي فمن هنا برز مفهوم الليبرالية كمفهوم تحديثي حضاري قادرٍ بآفاقه على إحداث التغيير في الواقع المعاش، وقادرٍ على مقاربة التجديد الديني والسياسي والمجتمعي تحت مظلة واحدة غير منفصلة مع طبيعة المتغيرات الكونية الضاغطة).
ويضيف بوقري (الليبرالية – لاشك- هي طريقة في التفكير والممارسة في الحياة اليومية ومناشطها السياسية والاجتماعية.. وهي بمثابة تيارٍ سياسي/ اجتماعي مكملٍ لتيار الحداثة الذي اقترب محلياً في مجاله الإبداعي وكان دالاً على حراك الثمانينات المستأنف من جديد راهناً). ويستطرد: (الحداثة التي ارتبطت في ثمانينات القرن الماضي بحركة الإبداع الشعري والقصصي والنقدي توهجت لفترة قصيرة وانطفأت، ليس بسببٍ من داخل آليات فعلها وممكناتها.. بل بسبب الاتهامات المتلاحقة والجائرة والتشويهات المتعمدة من قبل التيار التقليدي الأدبي، إلا أن حركة التجديد المجهضة وأن اختفت وانطفأ بريقها لسنواتٍ طويلة لاحقة، فإنها لم تمت.. فهي أسست أرضيتها في الوعي الجمعي.. وها هي نراها تستأنف من جديد وبإصرار وزخمٍ أكبر وبشرعية مؤسسية أوسع.. وبدماءٍ شبابية متجددة ضخت الحيوية في نسيجنا الثقافي والفكري).
وينطلق الدكتور صالح الزهراني من زاوية أخرى في إجابته على التساؤل الرئيس حيث يرى أن (ما يحرك الصراع ويحدد المواقف هو الحمولات الفكرية للمصطلح، وليس الممارسات على صعيد الواقع، هناك تطرف في الجهتين، حيث سيرشد الحوار من خلال الخطاب الجديد الذي يجمع أطياف المجتمع تحت رايته، لأنه ركز على المواطنة والإصلاح وهي قضايا واضحة ولم يركز على أفكار نظرية).