للعقلاء الذين يستقرئون مفاصل التاريخ، نجا هذا البلد وشعبه من براثن امتحانين كانا يستهدفان كسر ظهره.

للعقلاء الذين يستقرئون مفاصل التاريخ، نجا هذا البلد وشعبه من براثن امتحانين كانا يستهدفان كسر ظهره، وتقويض ما كان لهذا الوطن من ميزة مختلفة عن جغرافية من حوله.
أمنه الذي كان – طارئاً – جديداً على صحراء اعتادت الجوع والخوف لمئات السنين، واقتصاده الذي حافظ على ثبات القمة، لأن الآخرين من حواضر الأنهار والنفط أشغلوا شعوبهم بالحروب وتمجيد ثورات العرب الزائفة، ثم أثبت الزمن أنه أقوى الشهود على خراج هذه الثورات العربية الماجدة. أرادت الحركة القومية العربية، أن تبدأ الامتحان الأول نهاية الستينات وكانت طائرات – القوم – تقصف مدننا باسم الدم العربي واللغة الخالدة والوحدة الكاذبة، وتتشابه الظروف، ومن بيننا ظهرت – فئام – تشرئب بأعناقها إلى الحركة الناصرية، تبشر بين ظهرانينا بعهد جديد وعصر جديد من الانعتاق والحرية، وكم هم الذين تيمنوا بالاسم وأطلقوه على المواليد. ودون أن تراق قطرة دم واحدة من هذا المجتمع المدني السعودي، عبر فيصل بن عبدالعزيز بشعبه لبر الأمان، وللعاقل ما للمجنون، أن يسأل اليوم عن المنتصر الحقيقي من الطرفين، حضارة وتنمية وبناء دين ودنيا وحياة. في الامتحان الثاني لهذا البلد والشعب، لم يستغرق صدام حسين أكثر من سويعات؛ ليحشد مليون جندي على حدود الشمال، فكانت شرايين كل حياتنا من النفط على مرامي الرصاصة، وكنا جميعاً في مواجهة المنعطف الأخطر أن نكون أو لا نكون. ثم تتشابه الظروف لتخرج مظاهرات العرب في شوارع جبهة الصمود والتصدي بكل شعارات الازدراء لنا، ولواعج تقسيمنا وتخوين أصولنا الثابتة، ومرة أخرى يظهر من بيننا فئام من موقعي العرائض والمذكرات وقارئي النبوءات، وكنا بالضبط على مفترق طريقين: أن نتبع ذاكرة مذكرة النصيحة بكل ما ستقودنا إليه من المستقبل المخيف المجهول، أو أن نمضي مع دهاء وحكمة فهد بن عبدالعزيز الذي عبر بشعبه آمناً مطمئناً، وكان الشعب يعيش حياته المدنية الخالصة، فيما المعركة تدخل الخفجي، وللعقلاء الذين يستقرئون عبر التاريخ أن يختاروا ما بين المنهجين. الزمن وحده كان أكبر البراهين على كوارث ما يحاك لنا، ونحن المستهدف الأول في كل امتحان عروبي بشهادة التاريخ. وللعاقل المؤمن أن مستقبل وأمن وحياة الأوطان والشعوب أثقل من المغامرات، وأكبر عمقاً من زخرفة البيانات؛ أن يقرأ بواعث العاصفة الجديدة، ولو حتى من قناة (العالم) ليعرف أن أعداءنا اليوم يكررون ذات التجارب التي امتحناها، وامتحنتنا من قبل والمؤمن الحصيف العاقل لا يمد يديه لذات الجحر. غداً نكمل.