حتى لو أن انهيار سوقنا المالية كان نتيجة للهلع الشديد لا أكثر، أو بتأثير مضاربين كبار يخططون للاستفادة في المستقبل، أو بسبب بعض المستثمرين الكبار الذين يريدون تسييل بعض أموالهم، فكل هذه الاحتمالات لا تغير من الأمر شيئاً، فالنتيجة واحدة وهي أن حالات الانهيار بصرف النظر عن أسبابها توجد المناخات المناس

القرارات الاقتصادية التي تم اتخاذها لمعالجة مشكلة البطالة والإسكان وصدرت خلال الأيام الماضية؛ من الواضح أن فريقنا الاقتصادي قد أعدها في مطبخه لتكون خطوة احترازية استباقية للحيلولة دون استثمار بعض المشكلات، ولكن كان المفروض أن يكون أعضاء فريقنا الاقتصادي أكثر ذكاء لتكون خطواتهم أكثر شمولاً.
على سبيل المثال فإن السوق المالية السعودية أصبحت بالغة التأثير على حياة الملايين، ولا توازيها في ذلك أي سوق عربية أخرى لا في الحجم ولا في التأثير، أما من حيث الحجم فهي أكبر سوق في العالم العربي، وأما من حيث التأثير فإنها تعتبر سوق أفراد أكثر منها سوق مؤسسات، إذ يبلغ حجم تعامل الأفراد فيها أكثر من 90% من حجم التداولات، وأعضاء فريقنا الاقتصادي اجتهدوا وأخرجوا لنا من مطبخهم تلك الحزمة من إجراءات الدعم الاقتصادي لمواجهة مشكلة البطالة والإسكان وغيرها كي لا تستثمر، وفاتهم أن السوق المالية هي الأخرى قد يتم استثمارها بقوة، فهي عندما تنهار بفعل الهلع الشديد أو غيره تهبط الروح المعنوية، ويتذمر الناس ويغضبون، ويصبح هؤلاء الغاضبون المتذمرون الذين فقدوا مدخراتهم بين عشية وضحاها قابلين للاستثمار والاستغلال مثل العاطلين بل وربما أسوأ لأن العاطل لم يكن لديه شيء ثم فقده، أما المتضررون من السوق فقد كان لديهم ربما مدخرات محدودة ثم فجأة وبدون مقدمات فقدوها أو فقدوا جزءاً كبيراً منها دون سبب مقنع.
الإخوة أعضاء فريقنا الاقتصادي لم يأخذوا في اعتبارهم أيضاً أن السوق المالية يمكن ضربها عن عمد وترصد من قبل من يريد خلق أوضاع يمكن استثمارها، ولا أقصد القول إن ما حصل لسوقنا المالية التي انهارت خلال أيام معدودة تعرضت لضرب متعمد لغرض سياسي، فهذا لست متأكداً منه، لكن الأمر الذي أقطع به ومتأكد منه تماماً أن حالة الانهيار في سوقنا حصلت خلال أيام قليلة وكان الانهيار في كل يوم بمعدل يفوق معدل الانهيار اليومي في البلدان التي توجد فيها اضطرابات، ونحن ليس لدينا اضطرابات نهائياً، كما أن هذه الانهيارات في سوقنا بدأت مع صدور قرارات معالجة مشكلة البطالة والإسكان ثم تواصلت بعد ذلك وكأنّ الغرض – ويا للعجب – خلق حالات احتجاج تعويضية عن حالات أخرى تمت مواجهتها.
وعلى أية حال فحتى لو أن انهيار سوقنا المالية كان نتيجة للهلع الشديد لا أكثر، أو بتأثير مضاربين كبار يخططون للاستفادة في المستقبل، أو بسبب بعض المستثمرين الكبار الذين يريدون تسييل بعض أموالهم، فكل هذه الاحتمالات لا تغير من الأمر شيئاً، فالنتيجة واحدة وهي أن حالات الانهيار بصرف النظر عن أسبابها توجد المناخات المناسبة التي يمكن استثمارها، وكان المفروض أن يكون هذا حاضراً في أذهان أعضاء فريقنا الاقتصادي وهم يعدون خطط مواجهة مشكلة البطالة والإسكان، فيضعوا خططاً أخرى لمواجهة احتمال انهيار السوق المالية، ولكنهم لم يفعلوا ذلك.
لو كانت المملكة مثل غيرها من الدول العربية غير الغنية لربما تم التماس العذر للإخوة الكرام في فريقنا الاقتصادي، ولكن المملكة الآن تتمتع بمركز مالي مرموق، تمثل في احتياطياتها الخارجية، العالية حيث بلغت موجودات مؤسسة النقد أكثر من 1700 مليار ريال، وهذا مكنهم من وضع خططهم لمواجهة بعض المشاكل من خلال تلك الخطوات التي كلفت ما يقارب المئة مليار، وكان المفروض أن يدركوا أن السوق المالية هي الأخرى نقطة ضعف يمكن تكييفها واستثمارها ويعدوا الخطط الكفيلة بمواجهة ذلك فلماذا لم يفعلوا ذلك..؟
إنني من مؤيدي الاقتصاد الحر، ومن الرافضين للتدخل في الأسواق المالية أو إيقافها، ولكني لاحظت أننا نواجه ظرفاً غير طبيعي تطلب من فريقنا الاقتصادي استخدام الاقتصاد لمساندة السياسة، فوجدت أن في إجراءاتهم نقصاً واضحاً مع أنه يفترض أنهم من القادرين على التمام، ولذلك جاء تساؤلي في العنوان.