القذافي عنده الكتاب الأخضر الذي زعم فيه أنه وصل إلى حلول كل مشاكل الجنس البشري، وهو زعم كبير لم يقل به أحد إلا هلك، وهو ما رأيناه في أحداث عام 2011 م مع برد الشتاء.
وماوتسي دونج الصيني خرج على الناس بالكتاب الأحمر فلوحت به الشبيبة بهتاف وجنون في الثورة الثقافية فهلك الناس في المسغبة ومات جوعا ثلاثون مليونا من الأنام.
وقبل سنوات خرج ستيفان كورتوا على الناس بالكتاب الأسود وهو شيوعي مخضرم وصل فيه إلى النتيجة المفزعة التي تقول إن مائتي مليونا من الأنام ماتوا من تطبيق الشيوعية وعرفنا أن 800 ألف في أوكرانيا وحدها ماتوا قتلا على يد الشيوعية والشيوعيين!
وقبل أسابيع خرج علينا النازي الجديد من ألمانيا تيلو سارازين بكتابه الأصفر فزعم أن الألمان هم خير البرية، وأن الأتراك مهابيل بالخلقة، وأن العرب والأفارقة خلقوا من تربة حمئة دونية، مقلدا الشيطان حين قال أنا خير منه خلقتني من نار، وخلقته من طين، فهتف له الكثير معتبرينه بطلا قوميا، وهرع إليه النساء قبل الرجال يطلبون توقيعه على الكتاب، وباع منه أكثر من مليون نسخة، فأصبح مليونيرا ببضاعة مزجاة، وهذا يقول إن معظم البشر يمكن الضحك عليهم.
وحاليا نشهد مصير الكتاب الأخضر يحترق كما تحترق النباتات الخضراء في صحراء قاحلة وشمس حارقة بدون ماء ومظلة فتصبح غثاء أحوى..
قصص الكتب كثيرة ومزاعم أصحابها أكبر فقد لمع كتاب كفاحي لهتلر حتى انتهى مع صاحبته وخليلته ايفا براون انتحارا بالسم والرصاص في قبو الاستشارية (Bunker)، بعد أن زعم أن امبراطورية الرايخ الثالث ستبقى ألف سنة، وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر ألف سنة. ودمرت دولة الرايخ الثالث تدميرا فكانت هباء منبثا بعد أن عاشت 13 سنة فقط، فلم يبق منها سوى الأموات والأشباح يروون قصص الدمار في ليالي السمر في الشتاء الطويل!
وكتب كارل ماركس كتاب رأس المال فأصبح إنجيلا يقرؤه الرفاق، حتى أصبح هو وصاحبه في ذمة التاريخ. وتمزق الاتحاد السوفيتي كسبأ. كما قص علينا القرآن القصص؟ فمزقناهم شر ممزق، إن في ذلك لآيات وما كان أكثرهم مؤمنين..
وبالمقابل فقد ترك أناس بصماتهم على صفحة الزمن، كما في كتاب المقدمة لابن خلدون. فقد قال عنه المؤرخ توينبي إنه أعظم عمل من نوعه أنتجه أي عقل في أي زمان ومكان. وترك خلفه سبينوزا أربعة كتب في تحسين العقل، هي منارات الهدى للفكر الإنساني ومحطات التنقل لكل من أراد قراءة الفلسفة يوما. وخلف ديكارت المقال على المنهج فرسم معالم طريق جديد في بناء العقل بالتفكير التحليلي التركيبي. وكتب الغزالي أبو حامد تجربة شكه ويقينه في كتاب المنقذ من الضلال، فما يزال يقرأ بعد موت صاحبه بـ 900 سنة، وكتب الحلبي الكواكبي كتابه عن طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد قبل مئة عام ولكن العث أكله والغبار علاه حتى يستيقظ العرب! وكتب باسكال كتابه في الخواطر فهو وحي رائع من الفكر النقدي الخالص. ويقرأ الإنسان كتاب النظامين لجاليلو فيعرف أي انقلاب في الفكر حصل فلم تعد الأرض مركز الكون ومعه انهار العالم القديم ودخلت أوروبا عصر التنوير. وفي الاقتصاد كان كتاب ثروة الأمم لسميث معلما في فهم جديد في تطور اقتصاديات المجتمعات، كما كانت كتب فولتير التي زادت عن تسعين حطب الثورة الفرنسية.
خلاصة ما نصل إليه في موضوع الكتب وألوانها أنها تأخذ حجمها الطبيعي ولو زعم صاحبها أنه اهتدى إلى وضع لوغارتيم لحل كل معضلات الرياضيات الإنسانية كما زعم صاحب الكتاب الأخضر فأصبح سلفا ومثلا للآخرين. والله وارث الأرض ومن عليها.