لم يتوقع أحد أن يثور الشعب الليبي على معمر القذافي بعد مرور 42 سنة على حكمه. استمعتُ خلال الأيام الماضية إلى تحليل طويل ونادر للكاتب الليبي محمود شمام، وقد طرح آراء دقيقة عن المجتمع الليبي وعلاقته بالقذافي. تحدث شمام عن أن ليبيا لن تعود إلى الوراء وأن المتظاهرين سيبقون في الساحات حتى رحيل القذافي وهزيمته، كما استعاد مقاومة الليبيين للاستعمار على مدى ثلاثين عاماً وكانوا بواسل في النزال، ولم ترعبهم قوى العالم عن الوصول إلى الاستقلال، لكن ما بعد الاستقلال كان مكلفاً، حيث اختطف استقلال ليبيا بمجيء القذافي الذي جلس على جسد شعبه قرابة نصف قرن.
العالم صمت طويلاً عن هذه المجازر. ويرجع شمام صمت العالم إلى الارتباطات الاقتصادية المختلفة التي تربط ليبيا بالعالم بحكم أنها دولة نفطية، والنفط يسحر الدول الغربية، ولأن القذافي أيضاً قد أتاح البلاد لتكون ميداناً للشركات والاحتكارات والعصابات الاقتصادية في العالم. ليبيا اليوم لن تكون كما هي ليبيا بالأمس، الجيل الجديد الذي نشأ خلال فترة حكم القذافي لم يعد حبيس الكتاب الأخضر، نفض عن عينيه الغشاوة ليرى العالم بطريقة أخرى. خرج الشباب الليبي بصدور عارية يواجهون الطائرات والمرتزقة وكل أصناف الوحشية بحثاً عن الحرية.
صمت العالم عن القذافي وأزعجونا حينما كانوا يتحدثون عن حسني مبارك. كان من المفترض أن يتحدث أوباما على الأقل ولو مرةً واحدة. كان أوباما يصرح بعد حسني مبارك مباشرةً، جلس أياماً لا همّ له سوى مصر. وحين جاء التحدي الأخلاقي والإنساني اليوم لم نسمع صوتك يا باراك حسين أوباما.
هل المال أغلى من الإنسان؟ لم ندرك يوماً أننا سنشهد زمناً يكون فيه المال أغلى من الإنسان، حيث تصمت دول كبرى عن بلد ترتكب ضده مجازر فقط لأن الاتفاقيات الاقتصادية كثيرة، ولأن النفط الذي تزخر به تلك الدولة محل اهتمام واحتياج. هذا هو السوء المخيف الذي رأيناه في أحداث ليبيا القائمة حالياً.
الدور الآن على الحكومات العربية أيضاً، أن تنتصر لهذا الشعب الليبي الذي تقلب في تاريخه من قهرٍ إلى قهر، ومن وجعٍ إلى وجع، وياليت شعري متى يتحرر هذا الشعب الجميل؟!