إن أفضل مراقب لمسيرة الإصلاح التي تبناها قائد البلاد حفظه الله وأعاده لنا سالما، هو إيماننا ووحدتنا، فكرنا الحر وإرادتنا

تقول القصة إنه حدث يوما أن رجلا بدأ في الحفر بقاع القارب الذي كان مسافرا عليه مع آخرين، وحين واجه اعتراضا من أحدهم علق بأنه يحفر تحت مقعده ولم يقترب من مساحة أي شخص آخر، فأجابه: نعم ولكن حين يندفع الماء سوف يغرقنا جميعا ولن يجرفك وحدك، ويقول المثل المعروف إن سوء التخطيط من جانبك يجب ألا يشكل حالة طوارئ من جانبي! أما الجزء الأخير من المقدمة هنا فسوف أتطرق للمقولة التي تبين أنه حين يتفق أحدهم مع كل ما تقوله فهو إما معتوه أو أنه يستعد لسلخك!
لم يعد عمليا أن نعتبر أن الأخطاء من صنع الآخرين فقط، ولا يمكننا إلقاء اللوم على الآخرين لعيوبنا كمجموعات لا أفراد، ما يمكننا فعله اليوم إن أردنا إيجاد الحلول هو أن ننظر إلى أنفسنا فقط، ونسأل لماذا؟ هل ضحينا بالحقائق مقابل مجموعة من الافتراضات؟ هل أصبحنا نعتبر عامل الزمن كمؤثر في توقع ما سيأتي وما لن يأتي من وجهة نظرنا؟ بمعنى هل مرور الوقت الطويل دون تحرك، اعتراض أو مطالبة بالتغيير يعني التقبل؟
لنر ماذا يقول لنا التاريخ إن أردنا أن نتعلم منه، وليس أوضح من التاريخ في إحياء نبض الزمن بحيث نرى تسارعه وتوقفه عند أحداث هامة، سواء كانت ولادة حضارة أو موتها، اندلاع ثورة، حرب أو انقلاب، انتصار جيش أو انهزام آخر، هنا نستطيع أن نقطع جزءا من التاريخ ونضعه تحت مجهر التحليل، ونستطيع أن نتعرف على أسباب الهزائم، التراجع من قبل جهة والانتصار والتقدم من قبل جهة أخرى، ولكن إن أردنا أن نتعلم كيفية تحويل هزيمة إلى انتصار يجب أن نأخذ في الاعتبار عامل البيئة المحيطة، أي نتعلم بألا نتعلم الأخطاء بل كيفية تحويل هذه الأخطاء إلى طاقة إيجابية تساهم في وضع الخطط والسياسات المستقبلية لا الآنية، فهنالك فرق!
سأعطي مثالا، لنفترض أن جيشا انهزم أمام عدوه، وبعد تجهيز وإعادة تدريب أفراده على دراسة الهزيمة لتفادي الأخطاء التي تمت، وقف نفس الجيش أمام نفس العدو ولكن بعد عقدين أو أربعة، ماذا برأيكم سوف تكون النتيجة؟ الهزيمة مرة أخرى! لماذا؟ لأن جيش العدو تحت قيادة جديدة والمتغيرات مختلفة عما كانت عليه من قبل. إن ما يحدث بالنسبة للتعامل مع المتغيرات في عصرنا هذا سواء من دول صديقة أو حيادية أو عدوة، قائم على دراسة ما كانت عليه هذه المجتمعات، أي التركيز على ما مضى متناسين الحاضر، وأكبر مثال تعامل الولايات المتحدة الأمريكية مع الثورتين التونسية والمصرية، ففي كلتا الحالتين خرجت بتضارب في التصريحات، بمواقف أقرب منها للحذر لأي شيء آخر بل كانت تتصف بالتذبذب وغير حاسمة، ولماذا؟ لأنها بنت طريق المواجهة على عامل حماية المصالح الخاصة والتي تم وضعها خلال فترة الحرب الباردة، ولم تتصرف في نطاق حماية حرية وحقوق الشعوب في ممارسة الديموقراطية، بمعنى أنها بنت على فرضيات لا حقائق، نظرت إلى المجموعات كعامل لا كروح وجسد وكرامة، ركزت على بناء حلول لمشاكل في المستقبل وهي ما زالت عالقة في نطاق ما اعتبرته تصحيحا لسياسات كانت قائمة في الماضي.
محليا إن أفضل مراقب لمسيرة الإصلاح التي تبناها قائد البلاد حفظه الله وأعاده لنا سالما، هو إيماننا ووحدتنا، فكرنا الحر وإرادتنا، وهنا يصبح من المحتم علينا أن نعمل جميعا على أن نضع ونراجع ونراقب تنفيذ مخططات المستقبل، كي لا نتأخر عن الركب ونضيع الوقت بالتذمر والشكوى، يجب أن نكون مستعدين لأي طارئ اجتماعيا، اقتصاديا، سياسيا أو حتى من الطبيعة.
قد أكون لست خبيرة في تحليل التاريخ، وقد أكون دخلت اليوم معترك مجال غير مجالي، ولكن واجبي كفرد من هذه الأمة أن أشارك حتى ولو بالقليل الذي أعرفه، والذي أعرفه أن التاريخ يسجل الأحداث دون التطرق للروح، والشعوب أرواح والأروح من المتغيرات التي لا يمكن تحديدها ولكن بالاعتراف بتواجدها يمكننا أن نتعامل معها، ومن يتجاهلها يكون معتمدا على فرضيات الماضي متغاضيا عن حقائق الحاضر والمستقبل.