الشعب المصري شعب مسلم ومتدين بطبعه وإن استغلال هذه الصفات الجميلة لحصد مكاسب محددة تعود لفئة محددة هو تلاعب واستغلال شنيع للديموقراطية
لدى الإخوان المسلمين شغف رهيب وجامح للوصول إلى الحكم. وفي مصر هذه الأيام تحديداً يبدو هذا الشغف في أشد حالاته وضوحاً. ومن حق الإخوان بالطبع أن يهرولوا نحو السلطة، وإن كانت مواقفهم المعلنة الآن تشي بغير ذلك، أليس هذا هو برنامج مؤسس الحركة حسن البنا ومن أتى بعده؟ أنا بالطبع لا أعترض على أي فرد أو حزب في أي مجتمع ديموقراطي أن يسعى إلى الحكم بشرط أن يرى في نفسه الكفاءة ويعتقد بأن البرنامج الذي يحمله قابل للتطبيق على أرض الواقع وأنه سينفع البلاد وأن الناس قبل هذا سيصدقون ما يحمله من رؤى وسيصوتون له من خلال هذه المنطلقات. لكن أن يصبح هذا الشغف هو الشغل الشاغل لحزب الإخوان المعاصر ومريديهم معتمدين فقط على أن الإسلام هو الورقة الوحيدة الرابحة بأيديهم في مجتمع هو أصلاً مسلم يصلي ويصوم فهذا في نظري زيف ولى زمنه وانتهى.
دعونا نبق في الشأن المصري ومصر هي مولد هذه الجماعة الحزب التي تأسست منذ ما يزيد عن الثمانين عاماً في قرية الإسماعيلية آنذاك والتي بدأت نشاطها بالاغتيالات السياسية دون أن يلمس المواطن المصري منها أي عطاء حقيقي لمصر وشعبها. ما الذي يمكن أن يقدمه حزب الإخوان لاقتصاد مصر اليوم وتحديداً بعد الثورة؟ ماهي البنية الاقتصادية التي قد تأتي في جعبة هؤلاء مختلفة عن البنية الحالية لتركيبة الاقتصاد المصري؟ فإن كانوا، على سبيل المثال، ينوون تطوير آليات الاقتصاد ليتحول الاعتماد الكبير من السياحة إلى الزراعة والصناعة مثلاً فإنهم سيفشلون حتى وإن نجحوا. السبب أن اقتصادات الدول لا يمكن أن تؤمن وظائف لأبنائها وبناتها فقط من خلال الاعتماد على الصناعة والزراعة. لنا في الولايات المتحدة ودول أوروبا وغيرها الكثير من العبر والشواهد رغم تقدم الصناعة الكبير في تلك الدول. فحتى لو قفزت مساهمات هذين القطاعين إلى النصف في إجمالي الناتج المحلي المصري فإنها لن توفر على الأكثر إلا ثلث الوظائف المطلوبة للشعب ذكوراً وإناثاً. (للمعلومية فقط: تبلغ نسبة البطالة بين النساء المصريات ثلاثة أضعاف نسبتها بين الذكور). أما إن كان هدفهم محاربة الفساد فإن هذا مطلب للجميع وسينادي به كل حزب. القول بأن الشعب المصري سيثق فقط بالإخوان في محاربة الفساد يحمل في الحقيقة قولين. الشعب المصري لن ينسى التلاعب الكبير الذي حدث قبل أكثر من عقدين من الزمن في ما بات يسمى آنذاك بقضية الريان وقضية مجموعة شركات السعد للاستثمار والذي مازال إلى وقت قريب يقبع بعض أربابها داخل سجون مصر بعد أن لهفوا أموال الأبرياء باسم النقاء والابتعاد عن الربا. وهل سينسى الناس فتاوى بعض الإخوان بجواز السطو على البنوك والمحال التجارية الخاصة بالأقباط في سبيل تموين العجز المالي للجماعة؟
ما أشبه الليلة بالبارحة إلا في اختلاف طفيف في الخطاب. بالأمس أم المصلين في ميدان التحرير الشيخ يوسف القرضاوي في تسلق واضح على مكاسب ثورة الشباب في مصر قبل أسبوعين. حدث في هذه المناسبة أيضاً أن معاوني الشيخ وبغباء مفرط رفضوا خروج المناضل المصري وائل غنيم على منصة الخطباء في الميدان. ارتقى الشيخ منصة الخطباء وألقى خطاباً مختلفاً عن الخطابات التي اعتدنا على سماعها إلى وقت قريب من قبل ثوار الجماعة. حتى مع العبارات الحماسية، نادى القرضاوي بالتسامح والتعايش مع الأقباط ومنح قضيتهم وقتاً كبيراً في خطابه يفوق نسبتهم السكانية في مصر (8%) وكأن الأقباط هم مشكلة مصر الأولى والأخيرة. تناسى الشيخ في خطبته السياسية قضية المرأة المصرية والتي كما أشرت تشكل نسبة البطالة والفقر لديها أضعاف مثيلتها للرجال. أما فيما يخص المظهر والانطباع فقد جلس الشيخ القرضاوي وكأنه مرشد الثورة الإيرانية في حضوره وهيبته التي يسعى من خلالها إلى التأثير على المصوتين. ربما أن الشيخ القرضاوي لم يدرك بعد كما هي حال المرشدين هناك أن الديموقراطية آلة متحركة تتغير باليوم واللحظة وتعتمد على كسب أكبر عدد من أصوات المواطنين في اقتراعات سرية مؤسسة على برنامج هذا المرشح أو ذاك. أما ما يفعله الخميني وخامنئي أو السيستاني فهو ليس أكثر من قتل ووأد لروح الفكرة في الانتخابات الديموقراطية. وأن ما يهم المواطن المصري تحديداً وما ثار من أجله ضد نظام الرئيس حسني مبارك هو الاقتصاد والسعي نحو تحسين حال الفرد المصري. القرضاوي بالأدلجة الإخوانية المعتادة لم يلامس التنمية على الإطلاق ولم يتحدث عن معاناة الفقر والبطالة بطريقة علمية واضحة. وقبل أن ينهي خطبته كان لا بد أن يأتي بالعيد. فقد اختتمها بقرار سياسي صارخ وهو المطالبة بفتح معبر رفح مع قطاع غزة.
الذي لا بد من الإشارة إليه هو أن الشعب المصري شعب مسلم ومتدين بطبعه وأن استغلال هذه الصفات الجميلة لحصد مكاسب محددة تعود لفئة محددة هو تلاعب واستغلال شنيع للديموقراطية. أتمنى في هذه العجالة أن يتناول الدستور المصري هذه القضية وأن يضع حداً لاستغلال الضعفاء ودغدغة مشاعر الفقراء دينياً بواسطة البعض مستعيناً بهذه الديموقراطية. يجب أن ينص الدستور المصري على أن يحمل كل حزب برنامجاً حقيقياً للنمو الاقتصادي وآليات محددة للرفع من دخل الأفراد. ما لم يتمكن الحزب، أي حزب، من نيل ثقة اللجان المتخصصة في الدستور والبرلمان من برنامجه فإنه يجب استبعاده من الحراك السياسي ومن السلطة والتشريع.
أما إن كانت قراءتي خاطئة، وقد تكون كذلك، وأن حزب الإخوان سيعيد بناء اقتصاد مصر مستخدماً أدوات حقيقية ومجربة عالمياً وأنه بهذا سيقلل من البطالة للجنسين وسيشرع في محاربة الفساد وسيكرس من استقلال القضاء. إن كان حزب الإخوان سيفتح الحريات الشخصية التي تقف عند التعدي على حريات الآخرين وسيعزز من مكانة مصر السياسية إقليمياً ودولياً ويجنبها المعارك المفتعلة والتحالفات المشبوهة مع إيران وينهض بقدراتها العلمية والفكرية. إن كان هذا الحزب سيعيد صناعة الفن المصري العتيدة إلى سابق مجدها من خلال التحفيز وخلق الأجواء التنافسية المناسبة مما يساعد في نهوض الدراما والسينما المصرية لمواكبة هذه الصناعة الكبيرة عالمياً. إن كان هذا الحزب سيسهم في الرفع من عدد السياح الأجانب وسيسهم في الرفع من إنفاقهم داخل الاقتصاد المصري. إن كان هذا هو برنامج الإخوان وهو بالمناسبة برنامج لا بد من الأخذ به أو بمعظم جزئياته بواسطة أي حكومة مرتقبة في مصر لتحقيق الرخاء والتنمية، أقول إن كان هذا هو برنامجهم فأهلاً وسهلاً بهم. لكنني عندها سأتساءل: لماذا تسمون أنفسكم بالجماعة الإسلامية؟