يتسم عالم اليوم بالتغيير المتسارع جدا بشكل قد لا يستوعبه الكثيرون. وبالنسبة للشقيقة مصر.
يتسم عالم اليوم بالتغيير المتسارع جدا بشكل قد لا يستوعبه الكثيرون. وبالنسبة للشقيقة مصر، لا شك عندي في أن تراكم وطفح السلبيات على الساحة المصرية (والتي أدت إلى تنحي الرئيس المصري عن السلطة) هو السبب الرئيس لحالة الترقب والتوجس التي تعيشها الأمة العربية مما تخبئه الأيام القادمة لمصر والمنطقة. مصر اليوم تمر بمرحلة تغيير لم تنجل أكثر معالمها بعد، ومن يحرك التغيير القادم ليس بالضرورة الشارع أو الجيش أو الشعب المصري. عملية التغيير هذه تتشارك وتتقاطع فيها عناصر كثيرة متشابكة بعضها متلاحم لا حل له إلا عمليات استئصال محفوفة بالمخاطر.
رغم كل ذلك نجد أن استخلاص عبر وأحداث الماضي خير معين لنا لتحديد صورة مستقبلية تقريبية لما يمكن أن يحدث في الأيام القادمة. هذه النقاط أسوقها من وجهة نظري الشخصية راجيا لمصر وشعبها الخير دائما:
أولا: في الأيام القادمة ستشهد مصر تغييرات كثيرة يكون الإعلام ساحتها. سنشهد الكثير ممن لديهم طلاقة اللسان في الظهور على الوسائل الإعلامية لا هدف لهم إلا كسب ثقة الناس لأهداف لا يعلمها إلا الله. ثبت عن رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم قوله: «ان أخوف ما أخاف على هذه الأمة كل منافق عليم اللسان». الأيام القادمة سيكون الجدل فيها سيد الموقف وسيكون لأصحاب النفوذ والسلطة والتأثير وقع هائل من خلال الإعلام على الجماهير العربية وغير العربية بحيث تغطي ما يدور في مصر بشكل تعظم فيه مصالح وأجندات من يقف وراء هذه الوسائل الإعلامية. أصحاب النفوذ والسلطة والتأثير هم مديرو الشركات الكبرى عابرة القارات، وأصحاب وسائل الإعلام التي تبيع لمن يدفع أكثر، وأصحاب المليارات من أصحاب المصالح الاقتصادبة مع مصر وغيرها، وأقطاب التكنولوجيا الذين يرون فرصا وتهديدات جديدة لصناعاتهم وكبار المستثمرين الذين وضعوا ثقتهم في نظام أصيب باهتزاز، ناهيك عن أصحاب الطموحات من القيادات العسكرية والدينية والكتاب والعلماء. إن تجمع هؤلاء من أصحاب النفوذ والسلطة والتأثير يمكنهم من السيطرة على الآلة الإعلامية لتوجيه الشعوب بالشكل الذي يريدونه ليحقق في النهاية ما قاله العالم الفرنسي جوستاف لوبون: الجماعات حتى لو تكونت من عباقرة ومتميزين إلا أنها تقاد بالألفاظ ولو كانت فارغة وتتحرك بالأوهام وإن كانت خاطئة.
ثانيا: من يظن أن النظام السابق قد رحل إلى غير رجعة فهو مخطىء.. الأنظمة لا تموت بسهولة، وستظل هناك العديد من البؤر المضادة للإصلاح تحارب وتناضل من أجل منافعها. هذه البؤر حاليا في معركة حياة أو موت مع منظومة جديدة تخطط للقضاء عليهم، ولأنهم إن لم يقاتلوا ويقتلوا فلن تقوم لهم قائمة. الأيام القادمة ستشهد تصفية حسابات داخل مصر ضد الوجوه التي تطفو على السطح لمعرفة وجوه ما تحت السطح. وجوه ما تحت السطح لن تظهر كلها لأن علائقها تتعدى حدود مصر وسيقومون بالأعاجيب لإبقاء أنفسهم مقنعين يتربصون بالنظام الجديد لاستعادة أمجادهم ولو بأشكال جديدة.
ثالثا: البعد الدولي الذي يخص دولا ارتبطت مع مصر في علائق شريانية ذات اتجاهين تمد النظام المصري بأسباب الحياة وتستمد من هذا النظام ما يؤمن مصالحها. ما حدث لمصر جراء الضغوط الاقتصادية الدولية شكل عبر الزمن شبكة قوية ومعقدة من المصالح والالتزامات الدولية كانت سببا في بقاء المنظومة المصرية وبوسع الدول ذات العلاقة ممارسة شتى أنواع الضغوط للحفاظ على مصالحها. مصر تغلغلت فيها قوى كثيرة تمرست على التعامل معها من خلال قوى ذات مصالح مشتركة لدرجة يصعب على مصر الإنسلاخ منها. مصر، رغم ذلك، في النهاية ليست دولة عادية، مصر بكل ما تعانيه لها ثقلها الخاص بها الذي يجعلها تفرض نفسها على الساحة.
مصر اليوم في مفترق الطرق وهي تحت ضغوط هائلة ويجب على كل العقلاء أن يستمعوا لصوت العقل وعدم الانسياق وراء من يريدون ركوب الموجة لتحقيق مكاسب لهم. اللهم إحفظ مصر وأبناءها من كل شر واجعلها دوما سندا لكل العرب والمسلمين.