إن زيارة الحرمين والمشاعر المقدسة هي للعبادة والخضوع والخشوع لله عز وجل وليست للتظاهر والترفيه، وعليه فإن هدف توفير السكنى حول الحرم في مكان لائق هو الأساس
لقد صرفت الدولة مئات المليارات في نزع ملكية آلاف من المساكن القديمة حول الحرم تحقيقاً للمصلحة العامة، وهو إجراء يثاب عليه القائمون على هذا المشروع العملاق والمشرفون والمتابعون له وعلى رأسهم صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكة المكرمة، والذي يبذل جهودا كبيرة في متابعة التنمية الشاملة لمنطقة مكة المكرمة بأكملها وللعاصمة الإسلامية مكة المكرمة بصفة خاصة والتي أصبحت إحدى أكبر المدن عالمياً استيعاباً لملايين المسلمين في فترة زمنية محدودة، وهي جهود جبارة تبذلها الحكومة السعودية ضمن واجباتها لخدمة المسلمين حجاجا ومعتمرين وزائرين.. مواطنين ومقيمين، وهم في أداء مناسكهم وعباداتهم متساوون في الحقوق سواء في الحرم الشريف أو في المشاعر المقدسة مع اختلاف مستوياتهم ودرجاتهم وثقافاتهم ووظائفهم وأعمارهم.. فقراء وأغنياء، حيث يتواجد الأغنياء والفقراء معا في أيام معدودة وبلبس موحد في مكان محدد بعرفات ومنى لقضاء مشاعر الحج، لا اختلاف بينهم سوى التقوى. وفي مكة المكرمة القديمة كان الأغنياء والفقراء يعيشون معا بجوار الحرمين، فالمساكن كانت متشابهة ومتقاربة وفي متناول قدرة الغني والفقير لمجاورة الحرم. وتحقيقاً للمصلحة العامة للمسلمين كانت التوسعات المتتالية للحرم المكي والحرم النبوي بهدف المصلحة العامة ولتوسعة الساحات حول الحرم وإعادة تطوير المناطق المحيطة بالحرم لتكون أكثر ملاءمة في البناء وشروط السلامة وزيادة القدرة الاستيعابية للمسلمين، وهو توجه فيه من الإيجابيات وعليه بعض المآخذ والتي منها أن تطور العمران حول الحرمين اتجه نحو الحداثة والتطوير المعماري المكلف في البناء والتجهيز والتشغيل عبر شركات تشغيل فندقية عالمية ذات تكلفة عالية؛ كل ذلك انعكس على تكلفة التأجير، مما حرم شريحة كبيرة من المسلمين السعوديين والمقيمين وحجاج بيت الله والمعتمرين من جوار الحرمين، واقتصر الجوار على طبقة الأغنياء وميسوري الحال للسكنى حول الحرمين وذهب الفقراء إلى الأحياء البعيدة غير المجاورة للحرمين، رغم أن الجوار ليس شرطاً في العبادات إلا أن المشاعر الجياشة للمسلمين القادمين من جميع أنحاء العالم تدفعهم إلى التسابق للسكنى حول أو قرب الحرمين، ومع التوسعات الكبيرة حول الحرمين اختفت فنادق الدرجة الثالثة والرابعة والتي كانت تقدم خدماتها للفقراء ومتوسطي الحال من المسلمين، حيث كانت إلى الماضي القريب بعض الغرف الفندقية في هذه الفنادق تؤجر بخمسين ومئة ريال في اليوم، وبعض منازل السكنى كانت تؤجر السرير بخمسة وعشرين ريالا يومياً.. اختفت وغابت هذه الخدمات واستقرت فنادق الخمسة نجوم حول الحرمين ذات الإيجارات المرتفعة جداً، حيث وصل سعر الغرفة إلى آلاف الريالات يومياً في بعض المواسم. وبهذا تكون الفنادق ذات الخمسة نجوم قد حددت مسبقاً مستوى نزلائها من المسلمين وهم طبقة الأغنياء، وكأنها قسمت المسلمين إلى أقسام: درجة مميزة بغنائها وأخرى فقيرة، حتى لجأ البعض من هذه المشاريع إلى تأجير بعض الوحدات السكنية إلى رجال أعمال وأثرياء سعوديين وأجانب لسنوات طويلة تصل إلى عشرين عاما أو أكثر ليستخدمها الأغنياء أياما معدودة فقط في العام، وتقفل طيلة بقية العام ويحرم بقية المسلمين من الاستفادة منها، وهو أمر لا يرضي الكثير من المسلمين.. سعوديين وأجانب، وهو أمر لا يحقق هدف الاستفادة القصوى من أصغر مساحة حول الحرم لاستيعاب أكبر قدر ممكن من المسلمين.
وهو أمر قد يحتاج إلى إعادة نظر من المخططين، مما يدفعني كأحد المسلمين إلى المطالبة بتوجيه المشاريع العمرانية الجديدة حول توسعة الحرم المكي الجديدة بأن تكون مخصصة لجميع فئات المسلمين الأغنياء والفقراء، تشمل فنادق من الدرجات الأولى إلى الثانية والثالثة والرابعة بالإضافة إلى مساكن عامة للحجاج والمعتمرين. كما أتمنى أن يعاد النظر في برامج الإيجار طويل المدى للأجانب للوحدات السكنية، وذلك بهدف استغلالها طوال العام للمسلمين، وفي ذلك تحقيق للمنفعة العامة لملايين المسلمين القادمين للحرم الشريف مواطنين ومقيمين وحجاج ومعتمرين. إن زيارة الحرمين والمشاعر المقدسة هي للعبادة والخضوع والخشوع لله عز وجل وليست للتظاهر والترفيه، وعليه فإن هدف توفير السكنى حول الحرم في مكان لائق هو الأساس وبالإمكان بناء فنادق الخمسة نجوم في مناطق بعيدة عن الحرم لمن يرغب في السكن الفاره والمخملي وبمساحات كبيرة داخل حدود الحرم ومكة كلها حرم إن شاء الله.
إن طرحي اليوم هو اجتهاد في الرأي يقصد به المصلحة العامة للمسلمين.