كشف المترجم المتخصص في اللغة التركية العثمانية القديمة رئيس قسم الوثائق العثمانية بمركز بحوث ودراسات المدينة المنورة سابقا الدكتور زكريا محمد الكنيسي عن وجود أخطاء وقع فيها عدد من المترجمين من العثمانية إلى العربية خصوصا فيما يتعلق بتاريخ المدينة المنورة المرتبط بوثائق العثمانيين.
وقال الكنيسي لـالوطن: لم يخل من تلك الأخطاء عدد من البحوث والدراسات التي نشرتها بعض المجلات العلمية المحكمة وحتى معاجم المصطلحات العثمانية المنشورة حيث غيرت الترجمة المعنى تماما عن المراد الذي أشارت إليه الوثيقة.
ومنها ما ورد في وثيقة تناولت إحدى الوقفيات الشهيرة بالمدينة المنورة حيث عبارة درسخانه باب وهي تعني غرفة الدراسة ترجمها أحد المترجمين بعد أن عجزعن قراءتها إلى غرفة سبحانه؟. كما ترك المترجم للوثائق العثمانية أكثر من علامات استفهام حول معنى مصطلح سفربرلك والذي ارتبط بأحداث كارثة التهجير الجماعي لأهالي المدينة على يد القائد العثماني فخرالدين باشا مؤكدا أن ما أشيع من أنه يعني كارثة التهجير الجماعي أمر غير صحيح بحسب المعاجم اللغوية التركية فالمصطلح – بحسب التركية - يعني حملة عسكرية أو إعداد الجيوش للحرب. وبرر الكنيسي انتشار ذلك المعنى بين الباحثين المعاصرين بأنه يعود إلى الأحداث التي شهدتها المدينة في تلك الفترة والتي كان من ضمنها التهجير الجماعي لأهالي المدينة المنورة سواء كان اختياريا أو إجباريا.
وروى الكنيسي تجربة شخصية في مجال الترجمة مع إحدى الوثائق التي تتناول تأجيل تعيين أحد الأشخاص بوظيفة بالحرم النبوي الشريف بسبب مرضه واعتلال صحته حيث كان مكلفا بترجمة تلك الوثيقة، وكانت عبارة النص العثماني تصف ذلك الشخص بأنه: منحرف المزاج إلا أن مراجع الترجمة صححتها بأن مزاجه لم يكن رائقا وهذه الترجمة غير صحيحة حيث إن كلمة مزاج كما تذهب إليه المعاجم العثمانية تعنيالصحة وعليه فإنها تعنياعتلال صحته أو مرضه وليس مزاجه.
وتابع الكنيسي: إن الأعمال المحاسبية المرتبطة بالخزينة النبوية لم تخل من الأخطاء أيضا رغم أهميتها كونها ترتبط بالحسابات والأجور حيث وردت في الوثائق –كلمة ظهورات التي نقلها أحد المترجمين كما هي دون أن يكشف عن معناها الحقيقي الذي يقابلها بالعربية. وهذه الكلمة جاءت من الكلمة العربية ظهور والتي تعني في الترجمة العربية المصروفات الطارئة وفي نص الوثيقة وردت كلمة مدور وهي كلمة عربية استخدمت في العثمانية بمعنى المبالغ المتبقية من الميزانية الخاصة بعام سابق إلا أن المترجم وقع في خطأ فادح حين نقل الكلمة كما هي بالعربية دون أن يكلف نفسه بتوضيح معناها للقارئ العربي.
وعند الحديث عن الموازين والمكاييل ورد في الوثائق العثمانية كلمة قيه والتي تعني بالعربية الأقه أو الأوقه وهي مكيال يعادل كيلو وثلاثمئة جرام تقريبا إلا أن أحد المترجمين أوردها على أنها أوقيه وهناك فرق كبير في الوزن بين الأوقه والأوقيه والأخيرة تساوي حسب معجم لسان العرب وعدد من المعاجم التركية 40 درهما أو 440 جراما تقريبا والمشكلة أن هذه الوثائق تتحدث عن كميات زيت الزيتون التي ترد للحرم النبوي الشريف لإضاءة القناديل في ذلك الزمن. وطالب الكنيسي لتجاوز إشكالات الترجمة بضرورة دراسة اللغة العثمانية القديمة مع اللغات الأخرى التي دخلت إليها دراسة عميقة وبذل جهود جادة وأمينة تتسلح بالمنهجية وضرورة البعد عن الهوى في نقل النص العثماني لإخراج أعمال ومؤلفات تاريخية ذات قيمة علمية تمكننا من معرفة جانب مهم من تاريخ أمتنا الحديث.