ماحدث في تونس أعادني إلى اقتراح، كتبت عنه من قبل، وهو يتعلق بمراكز استطلاع الرأي، وأرجو أن يصبر القارئ حتى أوضح، قبل السؤال عن علاقة ذلك بتونس، فمحاولة التعرف على رأي الشارع أصبحت صناعة
ماحدث في تونس أعادني إلى اقتراح، كتبت عنه من قبل، وهو يتعلق بمراكز استطلاع الرأي، وأرجو أن يصبر القارئ حتى أوضح، قبل السؤال عن علاقة ذلك بتونس، فمحاولة التعرف على رأي الشارع أصبحت صناعة تدرّس في الجامعات، ويحسب لها حسابها، ويهتم بها كل من رجل الأعمال، ورجل القرار السياسي، وسأعطي ثلاثة أمثلة:-
1 – القطاع الخاص في كل العالم، وهو يواجه منافسة شرسة من الآخرين، يحتاج للتعرف على ذوق المستهلك، ومدى تغيره من وقت لآخر، ومن جيل لآخر، وخير مثال على ذلك لدينا، هو أن جيل الكبار سناً، يحبون أكل التمر، وشرب اللبن، في حين أن جيل الشباب يعزف عن ذلك، ويفضل الشوكولاته، والمشروبات الغازية، والعصائر. وغداً ستأتي منتجات جديدة، وستخلق أذواقا جديدة. لذلك يبحث رجل الأعمال السعودي عن مراكز استقصاء آراء، ذات مهنية علمية، ولا يجدها!!
2 – في مجال الإعلام، يحاول رجل الأعمال، التعرف على ما يفضله القارئ، أو المشاهد، أو المستمع، لكي يحدد قنوات الإعلان، ومن ثم تتحدد أسعار الإعلان.
في أمريكا يوجد معهد نيلسون، وهو يقوم بوضع أجهزة مرتبطة بأجهزة التلفزيون، ترصد ما يشاهده المشاهد في القنوات التلفزيونية، وهي موزعة في منازل عينة مختارة من المشاهدين، بشكل علمي، من حيث دخل المشاهد، وعمره، وإثنيته... إلخ. وتوزع النتائج يومياً على المشتركين مع المعهد، وتحدد تلك النتائج مصير البرامج، ومعها الإعلانات، وأسعارها... إلخ.
3 – بالمقابل فكل صاحب قرار سياسي، يحتاج هو أيضاً للتعرف على مزاج الشارع، وتاريخياً لجأ السياسي إلى الطريقة التقليدية، بالاعتماد على تقارير مباحثه، وبوليسه السري، ولكن هذا الأسلوب أضر بالسياسي مرات كثيرة، إما لأن المخبر لم يكن مؤهلاً لقياس مزاج الشارع، أو أنه اختلق تقارير وهمية. وحالة تونس مثال جيد لاعتماد النظام السياسي السابق كلية على سطوة الجهات الأمنية، ومحاولة حجب وسائل الإعلام عن شعب متعلم، متجاهلاً حقيقة أن لكل تونسي، قريبا في فرنسا، يساعده على تخطي وسائل الحجب الرسمية.
الخلاصة من كل ذلك هي الحاجة الماسة إلى معاهد علمية متخصصة، لرصد نبض، ومزاج الشارع، يستفيد منها رجل الأعمال، لعمله، وصاحب القرار السياسي، لكي تكون لديه خيارات، وإلا يبقى حبيساً لآراء المؤسسات الأمنية، والتي قد لا تمتلك في أغلب الأحيان الحس العلمي، مقارنة بتلك المعاهد المتخصصة.
قد يقول قائل، وما المانع في أن يقوم القطاع الخاص بتأسيس تلك المعاهد، كفرص استثمارية محتملة؟! والجواب هو أن هناك حساسيات كثيرة محتملة، لأن الاستقصاء، ولكي يحقق هدفه، فعليه توسيع حجم العينة، وقد تتضمن النتائج نقداً لأوضاع كثيرة، يجب أن يكون صاحب القرار، والمجتمع، مستعدين لتقبلها، لأن فائدتها تتجاوز بكثير سلبياتها المحتملة.